تتوالى قضية بيع اراضي المسيحيين فصولاً، مع كل ما قد يترتب على هذه المسألة الخطيرة من نتائج بعيدة المدى على الحضور المسيحي في المعادلة الوطنية اللبنانية وحاضر لبنان ومستقبله بلداً متنوعا وتعدديا. والمشكلة هذه المرة ليست من فعل مجموعة تجار وسماسرة عقارات او سياسيين، بل من قلب الكنيسة واملاكها او ما يصطلح على تسميته بالاراضي الوقفية المملوكة من الكنيسة. فقد علمت “النهار” ان القيّمين على دير الآباء المخيتاريست التابع لرهبانية الارمن الكاثوليك في بعبدا تلقوا رسالة منذ مدة من احد الكرادلة المسؤولين (…) عن الرهبانية في الفاتيكان يدعو فيها ادارة الدير الى بيع اراضي الدير بكل ما فيها وما عليها من انشاءات.
ويتولى رئاسة الدير الخور أسقف سايد طوباليان، من العائلات الزغرتاوية الارمنية، وهو لم يصدق عينيه للوهلة الاولى واطلع اصحاب الشأن في الطائفة والنافذين فيها على مضمون الرسالة التي قوبلت من اعلى المراجع في بطريركية الارمن الكاثوليك برفض بيع اي شبر، وكذلك من ابناء الحازمية وبعبدا والكنائس الاخرى الشقيقة والمجاورة للدير في المنطقة. ويقول تابعون للموضوع، ان الرهبان المخيتاريست اشتروا الارض التي تقدر مساحتها بنحو 15 الف متر مربع، العام 1950 وهي تضم ثمانية عقارات تحمل الارقام 713، 714، 2265، 2266، 2267، 2268، 734، 1987 في قلب المنطقة السكنية وفيها دير وكنيسة ومدرسة كان يفترض ان تؤمن التعليم لاولاد طائفة الارمن الكاثوليك، الى جانب موقف للسيارات، وتؤجر ادارة الدير قسماً من العقار لمدرسة “إليزيه” المعروفة اضافة الى تأجير مجموعة من الشركات مما يؤمن دخلاً يصل الى 230 الف دولار سنوياً منذ العام 2011.
لا يملك أي مسؤول كنسي جواباً عن سبب الرسالة التي تدعو الى البيع على رغم المداخيل المرتفعة التي توفرها العقارات، ويقول رئيس حركة “الارض” طلال الدويهي انه عرض الامر على البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي ابدى استغرابه الموضوع خصوصا “ان ثمة قراراً واضحا من السلطات الكنسية في الفاتيكان برفض بيع اي متر ارض قبل الحصول على موافقة السلطات الكنسية واعلى المراجع”. ويعتبر المتابعون ان ثمة من يتصرف في هذا المجال بعكس ارادة البابا فرنسيس وسياسة الكنيسة. وينسحب الموقف نفسه على بطريركية الارمن الكاثوليك التي ترفض التخلي عن اي متر أرض وتتمسك بموقف الكنيسة الشرقية وسياسة الفاتيكان، مما يعيد طرح السؤال بإلحاح عمن يقف وراء الدفع في اتجاه بيع الدير وعقاراته التي تشكل مساحة ضخمة بين الاحياء السكنية ويمكن ان يؤدي بيعها الى زيادة مشكلات الحازمية – بعبدا الديموغرافية، والتي تشهد تغييراً كبيراً في هوية ساكنيها ولن يطول بها الامر قبل ان يصبح اهاليها ضيوفاً على بلداتهم.