سألَ الصحفيّ بيتر زيفالد البابا بنديكتوس السادس عشر في كتابه ” نور العالم ” :
– تنبّأ العالم الكاتب البريطانيّ ألدوس هاكسلي في روايتهعن المستقبل ” أفضل العوالم “، أنّ التزوير سيكون العنصر الحاسم للحداثة. في الواقع المزيّف، مع حقيقته الباطلة – أو مع غياب الحقيقة – لم تعد لأيّ شيء أهميّة في النهاية. لا توجد حقيقة، لا يوجد أيّ وجهة نظر. في الواقع، صارت الحقيقة في هذه الأثناء مفهومًا شخصيّا بحيث لم يعد في الإمكان إيجاد مقياس صحيح عامّ. يبدو أنّ تمييز الأصيل من المزيّف قد أُبطِل. كلّ شيء قابل للتفاوض إلى حدّ ما. هل هذه هي النسبيّة التي تـــُحذّر منها بإلحاح ٍ؟
أجابه البابا : من الواضح اليوم أنّ مفهوم الحقيقة موضوع شكّ. وقد تمّ استغلاله كثيرًا، هذا صحيح. فباسم الحقيقة، برّر بعضهم التعصّب والضراوة. وعندما يقولُ شخص ما: هذه هي الحقيقة، أو حتى : أملكُ الحقيقة؛ فإنّ هذين القولين يُخيفاننا؟ لا نملكُ أبدًا الحقيقة، وفي أفضل الأحوال هي تملكنا. لا أحد يعترض على أنه ضروريّ التحلّي بالحكمة والحذر في المطالب بإمتلاك الحقيقة. ولكن أن نـــُلغيها ببساطة بإعتبارها بعيدة المنال، بهذا له نتائج مدمّرة كلّ التدمير.
في الواقع، يُصرّ اليوم الكثير من الفلاسفة على القول بأنّ الإنسان غير قادر على معرفة الحقيقة. وإذا كان الأمرُ كذلك، فلن يكون قادرًا أيضا على معرفة القيم الأخلاقيّة. ولن يكون لدينا أيّ مقاييس . ولا يعود علينا إلاّ أن نفطن لكيفيّة تدبير أمورنا، ولا يبقى في أحسن الأحوال إلا رأي الأكثريّة كمقياس يؤخذ به. ومع ذلك، برهنَ التاريخ بكفاية إلى أيّ مدى يمكن أن تكون الأكثريّات هدّامة في أنظمة كالنازية والماركسيّة، كانت بشكل خاص معارضة للحقيقة.
وسأله الصحفيّ الإيطاليّ أيضا :
– لقد صرّحت في خطابك في افتتاح مجمع الكرادلة الإنتخابيّ ” إنها تنشأ ديكتاتوريّة النسبيّة التي لا تعترف بأيّ شيء كأنه نهائيّ، ديكتاتوريّة تعطي فقط كمقيـــاس أخير الأنا الشخصيّ والرغبات “.
أجاب البابا: لهذا السبب، يجب أن نتحلّى بالشجاعة لنقول: نعم، على الإنسان أن يبحث عن الحقيقة، فإنه قادر على معرفتها. ومن البديهيّ أن تكون الحقيقة في حاجة إلى مقاييس تسمح لنا بأن نتحقّقها، ونضمن أنها ليست مزوّرة. وعلى الحقيقة أن تسير دائمًا جنبا إلى جنب مع التسامح. ولكنّ الحقيقة تظهر لنا عندئذ في هذه القيم الثابتة التي أعطت البشريّة عظمتها. علينا أن نتعلّم التواضع من جديد وأن نمارسه، لأنه يسمح لنا بأن نعترف بالحقيقة وأن نقبل بها كمقياس أخير.
أن لا تسود الحقيقة بالقوّة، بقدرتها الخاصّة، لَهو المضمون الرئيسيّ لإنجيل يوحنا. قدّم يسوع نفسه أمام بيلاطس بأنه الحقّ، وشاهد للحقّ. لا يدافع عن الحقيقة بمساعدة فيالق، إنّما بجعلها ظاهرة بواسطة آلامه، وبالطريقة عينها يضع الحقيقة موضع التنفيذ.
زينيت