طوباكما يا أبَّهات.. يا أولاد مقاريوس.. طوباك أيها الأبَّا مكسيموس وأخاك دوماديوس يا كوكبا جبل شيهيت ومصباحا دير البراموس.. طوباكما لأنكما اغتنيتما بالله ولم تتكلا على ثراء هذا العالم الذﻱ يفنىَ عما قليل.. طوباكما لأن تيه وقصور ومشتهيات الدهر لم تبهركما أو تظلم قلبيكما بثقل الشهوات وتعظم المعيشة، فكانت البرية هي عالمكما والمغارة هي قصركما وتكريس البتولية ونسك العبادة هي أكاليلكما ، والسجود وتضرع العقل والحواس هو متعتكما ، ولقاؤكما بالرب القدوس هو غاية مشتهاكما.. طوباكما لأن حاشيتكما كانتسحابة الشهود المحيطة بكما ، وقد حملتما الأوامر والوصايا الإلهية في قلبيكما وبين أعينكما.. لذا حَمَلتكما أمانتكما للسفر الشاق لا طلبًا للتنزه والسياحة بل طلبًا لإقتناء الفضيلة.. طوباكما لأنكما تكبدتما مشقات السفر متغربيين ؛ وأتيتما إلى فردوس آباء شيهيت لتستخلصا رحيق حياتهم الرهبانية وتكنزا لأنفسكما شَهْدَها..
طوباكما لأنكما لم تكتفيا بزيارة كالرحالة الذين أتوا للمعاينة وإلتماس البركة ؛ لكنكما سكنتما بشهيت حتى انطلاقكما منه إلى الوطن الأفضل ؛ فأتيتما إليها كما أتى روفينوس وميلانيا وإيفاجريوس البنطي وجيروم وباولا مع ابنتها يوستوكيوم ، وكما أتى يوحنا كاسيان وجرمانوس صديقه.. طوباكما لأنكما فضّلتما المواطنة السمائية بدلاً من جنسيتكما الملكية ، لذا صرتا مدافعين وحارسين للعالم ضد حروب الشياطين، وبسيرتكما وقدوتكما يصير العالم محفوظًا ، لأنكما كالأشجار التي تنقي الأجواء بحضورها..
طوباكما لأنكما تركتما الطموحات التي لترف أولاد الملوك والأُبهة ، وقد أُعطيتما حظوة لدى البلاط السماوﻱ والرتب والطغمات كملائكة أرضيين أو بشر سمائيين، لهذا تحفظان أسوار العالم مدافعين عن كل من يقتدﻱ بكما لأنكما على طريق السيد الرب.. طوباكما لأنكما تركتما مدرسة الفروسية والنبلاء لتتمرسا في مدرسة البرية على الفضيلة الواقعية المعاشة ، وجعلتما المسيح وحده ملك حياتكما ولم تكُفَّا عن السجود لعظمته كل حين ، طوباكما لأنكما ومع كونكما أبناء لملك؛ إلا أنكما أتيتما إلى ميزان القلوب فتكونا فيها الغرباء من أجل الملك المسيح. بالحق أنتما مطوبان من أجل هذه الفطنة المبكرة التي أُعطيت لكما..
طوباكما لأن موضع جهادكما قد صار مكان استشهاد بشهادتكما البيضاء حتى الدم ضد طياشة العمر الصغير وإغراءات أولاد الملوك ، فشهدتما كغرباء صغار وسط شيوخ وآباء عظام ، تُسابقا في بناء مغائرهم إلى جواركما ؛ حيث منشوبيتكما. طوباكما لأنكما اخترتما أن توزن قلبيكما وأفكاركما بالفحص الصادق والسكينة بدلاً من الراحة والتنعم ، فحولتما القفر إلى مدينة للمسيح. طوباكما لأنكما بسطتما أياديكما المرهفة والمترفة ، ونحتتما مغارتكما ولم تبارحا مكانكما إلا لحضور القداسات والتزود بالزاد الإلهي ، لذا صرتما كعبير البخور وأريج العطر الثمين.. ضياء مغارتيكما بالليل كما سراج منير وطلوع الكواكب وسط الظلام..
طوباكما لأنكما تمنطقتما وبسطتما أياديكما نحو السماء إلى الله أبي وسيد كل أحد ، والملائكة تطرد عنكم الشياطين كالذباب.. طوبكما لأنكما أوقفتما حياتكما وقفًا أبديًا لله ساجدين ناطقين بتسبيح ونطق سمائي ينطلق من لسانيكما كشهاب النار الصاعد إلى العلا ؛ جعلت سيرتكما مصدر إلهام واشتياق لكل أحد، وجمالاً معادلاً لقبح وعتمة غرور هذا العالم.
اطلبا من أجلنا عند الرب القدوس كي ينهضنا لنرضيه ونحظىَ بخلاص نفوسنا عند يوم الدينونه .