نظمت اللجنة الإقليمية لرابطة الأخويات في أبرشية البترون زيارة حج لضريح المكرم البطريرك الياس الحويك في الدير الأم لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات في عبرين، شاركت فيها أخويات الإقليم.
واحتفل راعي الأبرشية المطران منير خيرالله بالقداس الإلهي، وعاونه مرشد الإقليم الخوري جورج طنوس والخوري زياد اسحق والخوري مارون فرح، في حضور الرئيسة العامة الأم ماري أنطوانيت سعاده وعدد من الراهبات.
العظة
بعد الإنجيل، ألقى المطران خيرالله عظة بعنوان “إفرحوا بأن أسماءكم مكتوبة في السماوات” (لوقا 10/20). قال فيها: “المناسبة التي تجمعنا اليوم هي مناسبة مميزة لكي نعيش معا فرحة إعلان البطريرك الياس الحويك مكرما على طريق القداسة من الكنيسة الجامعة، بلسان قداسة البابا فرنسيس. هذه الفرحة نابعة من فخر كبير نعيشه في أبرشيتنا لأن ابرشية البترون معروفة بأبرشية القديسين وأرض القداسة. واليوم يضاف على لائحة قديسيها رجل جديد على طريق القداسة. هؤلاء هم الذين تعلنهم الكنيسة رسميا. إلا أننا نعرف أن هناك كثرا من بطاركة ومطارنة وكهنة ورهبان وراهبات وآباء وأمهات تقدسوا من دون أن تعلنهم الكنيسة رسميا، لكن أسماءهم حتما مكتوبة في السماوات، لأنهم عرفوا كيف يفرحون بالرسالة التي سلمهم إياها يسوع المسيح والتي كان سلمها إلى رسله الاثني عشر وإلى تلاميذه الاثنين والسبعين الذين أرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه ليحملوا البشارة، بشارة الخلاص لكل الناس بفرح كبير وبرجاء أنهم أبناء الملكوت”.
وأضاف: “السبب الذي جعل أبرشيتنا وكنيستنا تعطيان قديسين معلنين وغير معلنين يعود إلى العائلة أولا، العائلة التي تربوا فيها. فهل برأيكم نعمةالله ورفقا والأخ اسطفان والبطريرك الياس كانوا تقدسوا لو لم يتربوا أصلا في عائلة مسيحية ملتزمة، كهنوتية او رهبانية أو علمانية على محبة الله والايمان والثقة الكاملة به وعلى محبة الناس وعلى القيم المسيحية والانجيلية هل كانوا قديسين؟ طبعا لا، لأن الفضل في ذلك يعود إلى العائلة. فالبطريرك الياس الذي نذكره اليوم بفخر كبير تربى في عائلة مسيحية، وعلى يد والد كان كاهنا، تربية كهنوتية ومسيحية وإنسانية لكي يلتزم بالقيم والمبادئ التي تُعلمها كنيستنا، وهي المبادىء والأسس التي نبني عليها حياتنا. والبطريرك الحويك، عندما كان صغيرا، وبعدما درس في مدرسة حلتا تحت السنديانة، انتقل إلى مدرسة مار يوحنا مارون، المقر الاول للبطريركية المارونية ومقر مطرانية البترون اليوم، ثم تابع دراسته في المدرسة الاكليريكية في غزير، ثم في روما، وعاد الى لبنان لتحمل المسؤولية التي أراد الله أن يحمله إياها. نعرف عن البطريرك الحويك من خلال كل الشهادات التي أعطيت انه رجل العناية الالهية ورجل تكريم العذراء مريم. رجل العناية الالهية لأنه اتكل على ارادة الله في حياته ولم يحمل هم أو صعوبة، منتصرا عليها لأنه كان يعرف أن مشيئة الله تتم في كل واحد منا إذ يدعوه دعوة خاصة ويحمله رسالة خاصة. هكذا فهم البطريرك الحويك دعوته ورسالته وهكذا حمل رسالته ومسؤولياته حتى آخر يوم في حياته، عندما توفي في بكركي في 24 كانون الاول ليلة عيد عيد الميلاد سنة 1931، طالبا دوما شفاعة العذراء مريم”.
وتابع: “بتكريمنا اليوم لهذا الرجل الكبير، رجل الايمان والعناية الالهية، رجل الوطن وأبي لبنان الكبير، نقف وقفة تأمل لنأخذ منه أمثولة لحياتنا. البطريرك الحويك بنظرته البعيدة الأمد، كان بمثابة نبي ينظر الى البعيد ويعرف أن مشيئة الله ستتم. فوضع في سلم مهمته الأسقفية ثم البطريركية أولويتين: تنشئة الكهنة وتربية الأم.
في الأولى كان يقول إن تنشئة الكهنة هي أساس بناء المجتمع والوطن، لأن الكهنة هم المعلمون والشهود ليسوع المسيح في حياتهم. فإذا تأمنت لهم تنشئة لاهوتية وروحية وفكرية عميقة وملتزمة يستطيعون أن يعلموا الشعب ويقودوه إلى الخلاص. لذا صبت جهوده الكبيرة لرفع مستوى التنشئة في المدارس الإكليريكية في لبنان ولإعادة فتح المدرسة المارونية في روما.
أما في الثانية فكان يقول إن الأم هي أساس التربية وأساس بناء المجتمع والوطن. فإذا عملنا على تأمين تربية مسيحية واجتماعية وثقافية للأم نربح تحدي مستقبل المجتمع والوطن. وكي نربي الأم، يجب أن نبدأ بتأمين تربية صالحة للبنات منذ الصغر. لهذا السبب عمل على تأسيس جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات لكي تربي الفتيات، وبخاصة اللواتي يعشن في القرى البعيدة. وكنا في سنة 1895 نعيش تحت نير الاضطهاد وظلم العثمانيين ولم يكن للمرأة أية حقوق ولم تكن تتمتع بالثقافة المطلوبة لتربية العائلة. لذا سلم هذه المهمة إلى الراهبات وقال لهن: إذا نشأنا الفتاة اللبنانية تنشئة مسيحية وإنسانية وثقافية ملتزمة نربحها كأم، والأم تربي أولادها تربية صالحة. وإذا لم يكن هناك أم مربية لن تكون هناك عائلة، وطبعا إذا لم يكن هناك أب مربي لن تكون هناك عائلة. والأب والأم عندما يتعاونان على التربية الصالحة للأولاد المبنية على القيم والمبادئ المسيحية والإنسانية، يكون هناك أولاد يسلكون طريق القداسة. هكذا لبى كثيرون من بيننا ومن شعبنا دعوة الله إلى القداسة، ومن بينهم هؤلاء القديسون المعروفون والمعلنون رسميا من الكنيسة”.
وقال: “نحن اليوم مدعوون، كأبناء وبنات أخوية، آباء وأمهات ومربين، إلى أن نتذكر ما طلبه منا المسيح وما يطلبه البطريرك الياس الحويك، ابن حلتا وابن أبرشيتنا، وإلى أن نعود إلى جذورنا الروحانية وإلى القيم التي تربينا عليها، كي ننشئ أولادنا عليها ونعمل معهم على إعادة بناء المجتمع والوطن، الوطن الذي أطلق عليه القديس البابا يوحنا بولس الثاني لقب “الوطن الرسالة”، الذي يجمع أبناءه، مسيحيين ومسلمين ويهودا، في وحدة الانتماء والعيش معا في احترام التعددية. إنه لبنان البطريرك الحويك، لبنان الكبير، الذي سعى إلى بنائه باسم جميع اللبنانيين وتركه لنا إرثا عريقا وعظيما. ومسؤوليتنا كبيرة وخطيرة في الحفاظ عليه وطن رسالة لكل بلدان وشعوب العالم.
نحن مدعوون إلى أن نوحد قلوبنا وإمكاناتنا وننظر إلى البعيد مع البطريرك الحويك، فنعمل معا على استعادة القيم والأخلاق والقضاء على الفساد المستشري في مجتمعنا وعلى تربية أولادنا مع كل أم وعائلة وبيت”.
وختم: “إنه التحدي الذي ينتظرنا، وثقتنا كبيرة بأنكم جميعا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقكم. تعالوا نبدأ من العائلة بتأسيس مسيرة جديدة مع المكرم البطريرك الحويك لنرافقه حتى إعلانه طوباويا ثم قديسا، ونحن نلبي دعوة الله لنا إلى القداسة، فنفرح بأن أسماءنا مكتوبة في السماوات”.
وطنية