قدس الآباتي العام، إنّ انتخابكم على رأس الرهبانية اللبنانية المارونية هو حدث وطني يتخطّى البعد الكنسي والروحي للمناسبة، ولاسيما أنه يأتي في مرحلة تاريخية دقيقة يمرّ فيها الوطن، أقلّ ما يقال فيها أنها مرحلة صعبة، تحمل مخاطر كبيرة على مكوّنات الوطن وعلى الكيان.
هذا يعني أنّ تحديات كبيرة تنتظركم، وأنّ الجزء الرئيسي من مهماتكم المرتقبة تتناول الشأن الوطني، بمعنى العمل على انقاذ لبنان من المخاطر الوجودية التي تتهدده والدفاع عن شعبه في وجه المؤامرات التي تحاك على المنطقة وعلى هذا الوطن الصغير. وسبق لبعض اسلافكم أن لعبوا هذا الدور الوطني. فأهمية الكنيسة المارونية يتجسّد في بعدها الوطني، ولبنان يجسّد أرض المارونية وتاريخها ومستقبلها، على رغم أنّ بكركي راحت، منذ المجمع البطريركي الماروني الأخير (2004)، تشدّد على بعدها العالمي وعلى انتشار الابرشيات المارونية في كل أصقاع الأرض. غير أنّ المارونية تستمد وجودها وقوتها من كيان وطني هو لبنان حيث ترسّخت ونمت وازدهرت وأنشأت كياناً سياسياً يحتمي به اللبنانيون على تعدد طوائفهم. وهذا ما اعطى الكنيسة المارونية خصوصيتها. كما بات متعارفاً عليه فإنّ المارونية هي مرادفة للحرية بكل أوجهها، وهي كانت دوماً شعار الكنيسة المارونية، وقد بذلت كل شيء في سبيلها وصولاً الى الاستشهاد.
هاتان القيمتان: الكيان والحرية، تبدوان اليوم مهددتين. فما هو دور الرهبانية اللبنانية المارونية حيال ذلك؟
إنّ الواقع اللبناني وواقع المسيحيين في لبنان والشرق يستوجب على الرهبانية إعادة رسم اهدافها وإعادة طرح الاسئلة التي تصوّب عملها ونشاطاتها. كأن تسأل: ما هي الاهداف الاولى لتأسيس الرهبانية؟ ما هو دورها الوطني؟ كيف تساهم في تحصين لبنان وفي المحافظة عليه؟ كيف يمكنها أن تؤدي دورها على كامل مساحة الوطن؟ ماذا يحتاج الشعب الذي انبثقت منه؟
مجموعة ثانية من الأسئلة تتناول المسيرة الرهبانية الداخلية من شأنها تصويب مسيرة الرهبانية وإعادة رسم اتجاهاتها، وهي مكمّلة للأسئلة الأولى:
– أما زلنا نحافظ على قيم القداسة على خطى شربل والحرديني أم ابتعدنا عنها؟
– هل مؤسساتنا تسعى الى مساعدة المحتاج والى خير المجتمع أم تسعى الى الربح المادي؟
– أما زلنا نعمل بروحية المجمع الماروني عام 1736 الذي أقرّ إلزامية التعليم ومجانيته للصبيان والبنات، وبروحية يعقوب الكبوشي لمساعدة المحتاج والعجوز واليتيم، أم ابتعدنا عن هذه التعاليم؟
– أما زالت النذور الرهبانبة في صلب حياة المكرّسين أم أنّ صخب الحياة أبعدهم عنها؟
إن كنّا نشدّد على المسيرة الرهبانية فلأنّ الكنيسة في لبنان تؤدي دوراً أساسياً على الصعيد الوطني والعام، ودور الرهبانيات يتخطّى إنشاء المدارس والجامعات وادارة المستشفيات، الى دور وطني لترسيخ المسيحيين في أرضهم وجمع مكوّنات الوطن بهدف المحافظة على الكيان السياسي الحاضن. لم يعد مقبولاً أن تستمر الكنيسة، كما المؤسسات الكنسية الأخرى، على اهتماماتها التقليدية. فما قيمة الكنيسة من دون شعب؟ وماذا يفيد غنى الكنيسة اذا ما افتقر شعبها وجاع وهاجر؟ وماذا يفيد بناء الاصرحة الدينية الفخمة إذا بقيت فارغة؟ وما تفيد المدارس الفخمة والجامعات الواسعة والمستشفيات المجهّزة اذا كانت حكراً على المتمولين؟ وما قيمة الاراضي الشاسعة اذا بقيت بوراً، فيما الشباب عاجز عن الاستحصال على سقف ليؤسس عائلة؟
قدس الآباتي العام الجديد، لقد أدت رهبانيتكم دوراً تاريخياً أساسياً في قيامة لبنان وفي المحافظة على مكوّنات شعبه، وفي توسّعه الى حدوده الراهنة، أنتم مدعوون اليوم الى تقييم مسيرة الرهبانية من أجل تفعيل دورها، لأنّ لبنان في خطر، ولأنكم مؤتمنون على هذا الوطن.
جورج صدقة
النهار
الوسوم :رسالة إلى الرئيس المنتخب للرهبانية اللبنانية المارونية