بمناسبة اليوم العالمي السادس والعشرين للمريض الذي يحتفل به في الحادي عشر من فبراير المقبل وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة حملت عنوان “أمُّ الكنيسة: “هذا ابنُكِ… هذه أُمُّكَ”. ومُنذُ تِلكَ السَّاعةِ استَقبَلَها التِّلميذُ في بَيتِه”.
كتب الأب الأقدس على خدمة الكنيسة للمرضى وللذين يعتنون بهم أن تتابع بقوّة متجدِّدة على الدوام، بالأمانة لوصيّة الرب وبإتباع مثال مؤسِّسها ومعلِّمها. إن موضوع اليوم العالمي للمريض لهذا العام قد أُعطي لنا من خلال كلمات يسوع المرفوع على الصليب والتي وجّهها لأمِّه مريم وليوحنا: “هذا ابنُكِ… هذه أُمُّكَ”. ومُنذُ تِلكَ السَّاعةِ استَقبَلَها التِّلميذُ في بَيتِه”. إنَّ كلمات يسوع هذه تنير بعمق سرَّ الصليب. أولاً تعطي كلمات يسوع الأساس لدعوة مريم الوالديّة تجاه البشريّة كلِّها. ستكون بشكل خاص أمَّ تلاميذ ابنها وستعتني بهم وبمسيرتهم. إنَّ ألم الصليب الذي لا يوصف يخترق نفس مريم ولكنّه لا يشلُّها، بل على العكس وكأم الرب تبدأ بالنسبة لها مسيرة بذل الذات. على الصليب خاف يسوع وقلق على الكنيسة والبشريّة بأسرها ومريم مدعوّة لتقاسمه هذا القلق عينه.
تابع البابا فرنسيس يقول، يمثِّل التلميذ يوحنا الحبيب الكنيسة والشعب المسيحاني، وعليه أن يعترف بمريم كأمٍّ له، وبهذا الاعتراف هو مدعوٌّ لقبولها والتأمُّل بها كمثال للتتلمُذ وبالدعوة الوالديّة التي أوكلها يسوع إليها بما تحمله من قلق ومشاريع: الأم التي تحب وتلد أبناء قادرين على الحب بحسب وصيّة يسوع. يوحنا كتلميذ قد تقاسم كلَّ شيء مع يسوع ويعرف أنَّ المعلِّم يريد أن يقود جميع البشر إلى اللقاء مع الآب. يمكنه أن يشهد أنَّ يسوع قد التقى بالعديد من مرضى الروح المليئين بالكبرياء ومرضى الجسد، وقد منحهم جميعًا الرحمة والمغفرة ومنح المرضى أيضًا الشفاء الجسدي كعلامة لحياة الملكوت الوافرة حيث ستُمسح كلُ دمعة. على مثال مريم، يُدعى التلاميذ أيضًا للإعتناء ببعضهم البعض وليس فقط لأنّهم يعرفون أنَّ قلب يسوع مفتوح للجميع بدون استثناء ويجب أن يُعلن إنجيل الملكوت للجميع وأن تتوجّه المحبة المسيحيّة لجميع المعوزين لأنّهم ببساطة أبناء الله.
أضاف الحبر الأعظم يقول إن هذه الدعوة الوالديّة للكنيسة تجاه الأشخاص المعوزين والمرضى قد أصبحت ملموسة في التاريخ من خلال سلسلة مبادرات لصالح المرضى، وبالتالي لا يمكننا أن ننسى تاريخ التفاني هذا الذي يتابع اليوم أيضًا في العالم بأسره. فهي تسعى في كلِّ مكان لتقدّم العناية حتى عندما لا تكون قادرة على الشفاء. إنَّ صورة الكنيسة كـ “مستشفى ميداني” يقبل جميع الذين جرحتهم الحياة هي واقع ملموس لأنّه وفي بعض مناطق العالم وحدها مستشفيات المرسلين والأبرشيات هي التي تقدّم العناية الضروريّة للسكان. إنَّ ذكرى التاريخ الطويل لخدمة المرضى هي دافع فرح للجماعة المسيحيّة ولاسيما للذين يقومون بهذه الخدمة في الحاضر، ولكن علينا أن ننظر إلى الماضي لكي نسمح له أن يُغنينا. وبالتالي علينا أن نتعلّم من: السخاء حتى بذل الذات للعديد من مؤسسي المعاهد لخدمة المرضى، الإبداع النابع من المحبّة من العديد من المبادرات التي تمَّ القيام بها عبر العصور، والالتزام في البحث العلمي في سبيل تقديم عناية متجدّدة للمرضى. إنَّ إرث الماضي هذا يساعد في التخطيط الجيّد للمستقبل.
تابع الأب الأقدس يقول لقد ترك يسوع قوّته الشافية كعطيّة للكنيسة: “والَّذينَ يُؤمِنونَ تَصحَبُهم هذهِ الآيات:… ويضَعونَ أَيديَهُم على المَرضى فَيَتَعافَون” (مرقس 16، 17- 18). نقرأ في أعمال الرسل وصف الشفاءات التي قام بها بطرس وبولس. على عطيّة يسوع يجيب واجب الكنيسة التي تعرف أن توجِّه إلى المرضى نظرة ربِّها عينا المفعمة بالحنان والشفقة. تبقى راعوية الصحة وستبقى على الدوام واجبًا ضروريًّا وجوهريًّا يُعاش بدفع مُتجدِّد إنطلاقًا من الجماعات الراعويّة وصولاً إلى أهم مراكز العناية.
وختم البابا فرنسيس رسالته بمناسبة اليوم العالمي السادس والعشرين للمريض إلى مريم أم الرحمة نريد أن نكل جميع مرضى الجسد والروح لكي تعضدهم بالرجاء، ونطلب منها أن تساعدنا أيضًا لكي نستقبل إخوتنا المرضى. تعرف الكنيسة أنَّها بحاجة لنعمة خاصة لتكون على مستوى خدمتها الإنجيليّة للعناية بالمرضى. لذلك ترانا الصلاة إلى أمِّ الرب مجتمعين جميعًا في تضرُّع مستمرٍّ لكي يعيش بمحبّة كل عضو من أعضاء الكنيسة الدعوة لخدمة الحياة والصحّة. لتشفع العذراء مريم بهذا اليوم العالمي السادس والعشرين للمريض ولتساعد المرضى كي يعيشوا ألمهم في الشركة مع الرب يسوع وتعضد الذين يعتنون بهم.
إذاعة الفاتيكان