عُقد مؤتمر صحفي في دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي لتقديم رسالة قداسة البابا فرنسيس لزمن الصوم الأربعيني 2016 وتتمحور حول موضوع “إِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحَة” (متى 9، 13). أعمال الرحمة في مسيرة اليوبيل.
وقد استهل الأب الأقدس رسالته قائلا: في براءة سنة اليوبيل، توجّهتُ بدعوة “لنعش زمن الصوم في هذه السنة اليوبيلية بزخم أكبر كفرصة ملائمة للاحتفال برحمة الله واختبارها” (وجه الرحمة، رقم 17). وأضاف البابا فرنسيس أن رحمة الرب هي بالحقيقة بشرى للعالم: وكل مسيحي هو مدعو لأن يختبر هو أولا هذه البشرى. لهذا السبب سأرسلُ، في زمن الصوم الأربعيني، رُسُلَ الرحمة ليكونوا للجميع علامةً حيّة عن مدى قُرب الله ومغفرته. إن مريم، ولأنها قبِلَت البشرى السّارة التي بشرها بها الملاك جبرائيل، تتغنّى في نشيدها بشكل نبويّ بالرحمة التي اختارها الله بها… كما وأشار البابا فرنسيس في رسالته إلى أن الرحمة “تعبّر عن تصرّف الله إزاء الخاطئ، مقدّمًا له إمكانية أخرى ليتوب ويرتدّ ويؤمن” (وجه الرحمة، عدد 21)، وهكذا يبني مجدّدًا العلاقة معه. فالله، من خلال يسوع المصلوب، يعبّر عن رغبته في ملاقاة الإنسان الخاطئ مهما كان بعيدًا، بل وتحديدًا حيث ضلّ وابتعد عنه.
وأشار قداسة البابا فرنسيس في رسالته لزمن الصوم الأربعيني 2016 إلى أن رحمة الله تبدّل قلب الإنسان وتجعله يختبر حبًّا صادقًا، وتجعل منه هكذا إنسانًا قادرًا بدوره على الرحمة. إنها لمعجزة جديدة على الدوام، معجزة قدرة الرحمة الإلهية على أن تشع في حياة كل واحد منّا، وتحثّنا على حبّ القريب وعلى تفعيل تلك الأعمال التي تُسمَّى بحسب التقليد الكنسي بأعمال الرحمة الجسدية والروحية. وهي تذكّرنا بأنّ إيماننا يتجلّى من خلال أعمال حسية ويومية هدفها مساعدة القريب جسديًّا وروحيًّا، وعلى أساسها سوف نُحَاسَب: بإطعامه، وزيارته، ومواساته، وتعليمه. وأضاف الأب الأقدس لذلك تمنّيتُ “بشدة أن يفكر الشعب المسيحي خلال اليوبيل في أعمال الرحمة الجسدية والروحية. وستكون هذه الطريقة كفيلة بإيقاظ ضميرنا الذي ينزلق غالبا إلى السبات إزاء مأساة الفقر وبالغوص أكثر في قلب الإنجيل، حيث الفقراء هم المفضلون لدى الرحمة الإلهية” (وجه الرحمة، عدد 15). في الواقع، في شخص الفقير يصير جسد المسيح “مرئيا من جديد، كجسد معذب ومجروح ومصاب وجائع ونازح… كي نتعرف عليه، نلمسه ونعتني به باهتمام”… وأضاف البابا فرنسيس أنه أمام هذا الحبّ القوي كالموت (را. نش 8، 6)، يتضح أن الفقير الأكثر بؤسًا هو مَنْ لا يقبل أن يعترف بكونه هكذا. مَنْ يعتقد أنّه غنيّ، ولكنه، في الواقع، هو أفقر الفقراء. وهو كذلك لأنّه عبد للخطيئة التي تدفعه لاستعمال الغنى والسلطة لا لخدمة الله والآخرين، إنّما ليخنق في ذاته القناعة العميقة بأنّه هو أيضًا ليس سوى فقير شحّاذ.
كما وأشار البابا فرنسيس في رسالته إلى أن صوم هذه السنة اليوبيلية هو للجميع وقت مناسب حتى يمكننا أخيرًا الخروج من الاغتراب الوجودي بفضل الإصغاء إلى الكلمة وممارسة أعمال الرحمة. فإن كنا، من خلال الأعمال الجسديّة، نلمس جسد المسيح في إخوتنا وأخواتنا المحتاجين للطعام، والكساء، والإيواء، والزيارة، فالأعمال الروحية ـ الإرشاد، والتعليم، والمسامحة، والنّصح، والصلاة ـ ستلمس مباشرة وضعنا كخطأة. لذلك لا يجب الفصل بين الأعمال الجسديّة والأعمال الروحية. في الواقع، تحديدًا عند لمس جسد يسوع المصلوب في الأكثر عوزًا، يمكن للخاطىء أن يحصل على نعمة الوعي بأنّه هو نفسه فقير شحّاذ… وفي ختام رسالته لزمن الصوم الأربعيني 2016 بعنوان “إِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحَة” قال البابا فرنسيس: دعونا ألا نترك زمن الصوم المناسب للتوبة يمرّ سدى!
إذاعة الفاتيكان