وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة للمشاركين في المنتدى الدولي حول التعليم المسيحي في الأرجنتين كتب فيها عندما أصرَّ على القديس فرنسيس أحدُ أتباعه كي يعلّمه أن يبشِّر أجابه: “يا أخي، نحن نبشِّر عندما نزور المرضى ونساعد الأطفال ونطعم الفقراء”. وبالتالي نجد في هذا الدرس الجميل دعوة ورسالة أستاذ التعليم المسيحي.
تابع الأب الأقدس يقول إن التعليم المسيحي أولاً ليس عملاً أو مهمّة خارجة عن شخص أستاذ التعليم المسيحي، وإنما أن يكون المرء أستاذ تعليم مسيحي فهذا يعني أن حياته تتمحور حول هذه الرسالة وبالتالي فهي دعوة خدمة في الكنيسة ينقل من خلالها العطيّة التي نالها من الرب للآخرين. لذلك ينبغي على أستاذ التعليم المسيحي أن يعود دائمًا إلى ذلك الإعلان الأول أو الـ “Kerygma” أي العطيّة التي غيّرت له حياته. إنّه الإعلان الأساسي الذي ينبغي أن يتردّد صداه في حياة المسيحي ولاسيما في حياة من دُعي ليعلن الإيمان ويعلِّمَه. “إذ ما من شيء أمتن أو أعمق أو أكثر أمانًا وثباتًا وحكمة من هذا الإعلان” (فرح الإنجيل، عدد 165). ولذلك ينبغي على هذا الإعلان أن يرافق الإيمان الحاضر في تقوى شعبنا، كما أنّه من الأهميّة بمكان أن نأخذ على عاتقنا الورع والمحبة الموجودان في التقوى الشعبية لكي لا ننقل محتوى الإيمان وحسب وإنما لكي نخلق أيضًا مدرسة تنشئة حقيقيّة تُعزّز فيها عطيّة الإيمان التي تمَّ نوالها لكي تنعكس في الأعمال والأقوال نعمة أن يكون المرء تلميذًا ليسوع.
تابع الحبر الأعظم يقول إن أستاذ التعليم المسيحي ينطلق من المسيح وإليه؛ فهو ليس شخصًا ينطلق من أفكاره وذوقه، بل يسمح ليسوع أن ينظر إليه بتلك النظرة التي تجعل القلب يتَّقد. عندما يصبح يسوع محور حياتنا يجعلنا نخرج من ذواتنا وأنانيّتنا لنقترب من الآخرين، وديناميكيّة الحب هذه هي كحركة القلب: “الانقباض والانبساط”، يعود إلى ذاته ليلتقي بالرب وبعدها ينفتح ويخرج من ذاته ليشهد ليسوع ويخبر عنه ويبشِّر به. والمثال يمنحنا إياه يسوع نفسه إذ كان يختلي بنفسه ليصلّي ثمَّ يخرج بعدها ليلتقي بالجياع والعطاش لله لكي يشفيهم ويخلِّصهم. من هنا تأتي أهميّة التعليم المسيحي “كمسيرة” أي كلقاء مستمرٍّ مع كلمة الله والأسرار، لأن الحياة المسيحيّة هي عمليّة نمو وإدماج للشخص البشري بجميع أبعاده من خلال مسيرة جماعية من الإصغاء والإجابة.
أضاف الأب الأقدس يقول إن أستاذ التعليم المسيحي هو شخص مبدع يبحث على الدوام عن أساليب وأشكال مختلفة لإعلان المسيح. ما أجمل أن نؤمن بيسوع لأنّه “الطريق والحق والحياة” الذي يملأ حياتنا فرحًا وسعادة. وهذا السعي لتقديم يسوع كالجمال الأسمى يحملنا على إيجاد علامات وأشكال جديدة لنقل الإيمان. قد تختلف الأدوات لكن من الأهميّة بمكان أن نحافظ على أسلوب يسوع الذي يتأقلم مع الأشخاص الذين يقفون أمامه ليجعلهم يقتربون من محبّة الله. ينبغي علينا أن نعرف أن نغيّر ونتأقلم لكي نجعل الرسالة أقرب لأنَّ الله لا يتغيّر وإنما يجعل كل الأشياء جديدة. ولذلك لا ينبغي علينا أن نخاف أبدًا خلال سعينا المبدع لتقديم يسوع للآخرين لأنّه يسبقنا إليهم، فهو حاضر في إنسان اليوم وهناك ينتظرنا.
وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول أعزائي أساتذة التعليم المسيحي أشكركم على ما تقومون به ولاسيما على مسيرتكم مع شعب الله، وأشجّعكم كي تكونوا رسلاً فرحين وحراسًا للخير والجمال اللذين ينعكسان في حياة التلميذ والرسول الأمين. ليبارككم يسوع ولترشدكم العذراء القديسة معلمة الإيمان الحقيقيّة، ولا تنسوا من فضلكم أن تصلّوا من أجلي!
إذاعة الفاتيكان