تستضيف مدينة ريميني الإيطالية من التاسع عشر وحتى الخامس والعشرين من آب أغسطس اللقاء السابع والثلاثين “للصداقة بين الشعوب” ويتمحور هذا العام حول موضوع “أنت خير لي”. وللمناسبة، وجه قداسة البابا فرنسيس رسالة لأسقف ريميني المطران فرانشيسكو لامبيازي، حملت توقيع أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين.
كتب البابا فرنسيس “أنت خير لي” في الواقع نحن بحاجة للشجاعة لنعلن هذا الأمر فيما العديد من جوانب الواقع الذي يحيط بنا يبدو وكأنها تقودنا في الاتجاه المعاكس. إذ نستسلم مرات عديدة لتجربة الانغلاق في أفق مصالحنا الضيّق فيصبح الآخرون شيئًا إضافيًّا لا بل حتى إزعاجًا أو عائقًا. ولكن هذا الأمر لا يتطابق مع طبيعتنا، لأننا ومنذ طفولتنا نكتشف جمال العلاقة بين الكائنات البشريّة ونتعلّم أن نلتقي الآخر ونعترف به ونحترمه كمحاور وأخ، لأنه ابن الآب المشترك الذي في السماوات. أما الفردانيّة فتبعدنا عن الأشخاص وترى فقط محدوديّاتهم ونواقصهم وتُضعف الرغبة والقدرة على تعايش يمكن لكل فرد أن يكون فيه حرًّا وسعيدًا برفقة الآخرين بغناهم واختلافهم.
تابع الأب الأقدس يقول إزاء التهديدات لسلام وأمان الشعوب والأمم، نحن مدعوون لنعي أن هناك حالة انعدام أمان وجوديّة تجعلنا نخاف من الآخر كما ولو أنّه خصمنا الذي يسلبنا بيئتنا ويتخطّى الحدود التي بنيناها. إزاء تغيير الحقبة الذي يطالنا جميعًا من يمكنه أن يفكّر بأنه قادر أن يخلّص نفسه بفضل قواه الشخصيّة فقط؟ إنه الإدعاء الموجود في أساس كل نزاع بين البشر. على مثال الرب يسوع ينمّي المسيحي على الدوام فكرًا منفتحًا على الآخر كائنًا من كان، لأنه لا يفقد الأمل في خلاص أي شخص، وفي هذا السياق يقدّم لنا الإنجيل صورة معبّرة عن هذا الموقف: الابن الضال الذي يرعى الخنازير والأب الذي يخرج في كل ليلة ليرى إن كان ابنه سيعود إلى البيت ويرجو بالرغم من كل شيء. كم سيتغيّر عالمنا إن أصبح هذا الرجاء الذي لا يُقاس العدسة التي من خلالها ينظر البشر إلى بعضهم البعض! إن يسوع قد نظر إلى زكا العشار وإلى لص اليمين على الصليب كخلائق لله تحتاج لذلك العناق الذي يُخلّص؛ حتى يهوذا وفيما كان يسلمه إلى أعدائه سمع يسوع يدعوه “يا صديقي”.
أضاف الحبر الأعظم هناك كلمة لا ينبغي علينا أن نتعب أبدًا من تكرارها ولاسيما من الشهادة لها وهي الحوار. سنكتشف أن الانفتاح على الآخرين لا يُفقر نظرتنا بل يُغنينا أكثر لأنه يجعلنا نكتشف حقيقة الآخر وأهميّة خبرته وخلفيّة ما يقوله حتى عندما يختبئ خلف مواقف وخيارات لا نتقاسمها. اللقاء الحقيقيّ يفرض وضوحًا في الهويّة وإنما في الوقت عينه استعدادًا لنضع أنفسنا مكان الشخص الآخر لنفهم ما يُقلق قلبه وما يبحث عنه حقًّا. بهذا الشكل يمكن أن يبدأ ذاك الحوار الذي يجعلنا نتقدّم في المسيرة نحو خُلاصات جديدة تُغنينا معًا. هذا هو التحدي الذي يواجهه جميع الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة.
تابع الأب الأقدس يقول إن العديد من الاضطرابات التي نشعر أمامها بأننا شهود عاجزون، تشكّل في الواقع، دعوة سريّة لنكتشف مجددًا أُسس الشركة بين البشر في سبيل بداية جديدة. إزاء هذه الأمور كلها ما هي المساهمة التي يمكننا نحن تلاميذ يسوع أن نقدّمها؟ إن مهمّتنا تتطابق مع الرسالة التي اختارنا الله من أجلها وهي: إعلان الإنجيل الذي يُترجم اليوم وأكثر من أي وقت مضى بشكل خاص في الذهاب لملاقاة جراح الإنسان، عبر حمل حضور يسوع القوي والبسيط، ورحمته المعزّية والمشجعة.
هذا وشجّع البابا فرنسيس المشاركين على أن يركّزوا اهتمامهم على الشهادة الشخصيّة المبدعة مدركين أن ما يجذب وما يسحر ليست قوّة الأدوات وإنما وداعة قوة محبّة الآب الرحيمة التي يمكن لكل فرد منا أن يستقيها من ينبوع النعمة الذي يقدّمه الله لنا في الأسرار ولاسيما في سرّي الافخارستيا والتوبة. كما وحثَّ الأب الأقدس الجميع على الاستمرار في التزام القرب من الآخرين متنافسين في خدمتهم بفرح. وختم البابا فرنسيس رسالته طالبًا نعمة ونور الروح القدس على جميع المشاركين والمنظمين والمتطوعين في لقاء الصداقة بين الشعوب كي يعيشوا خبرة إيمان وشركة أخويّة خصبة ومنحهم فيض بركاته الرسوليّة.
إذاعة الفاتيكان