وصف البابا هذه الأفعال بحريمة تسبب جروحا عميقة، جروح ألم وعجز لدى الضحايا في المقام الأول، ولكن أيضا لعائلاتهم وللجماعة بكاملها. وأكد الحبر الأعظم أنه وإذا نظرنا إلى الماضي فلا يمكن أن يكون كافيا ما يتم عمله لطلب المغفرة ومحاولة إصلاح الضرر، أما إذا تطلعنا إلى المستقبل فلن يكون قليلا أبدا ما يتم فعله لتأسيس ثقافة قادرة على تفادي لا فقط تكرار مثل هذه الأمور، بل وأيضا أن تجد إمكانية أن تُغطى وتستمر، فألم الضحايا وعائلاتهم هو أيضا ألمنا. ويجب بالتالي حسب ما واصل الأب الأقدس التأكيد مجددا على التزامنا بضمان حماية القاصرين والبالغين المعانين من حالات ضعف.
وفي إشارته إلى التقرير المذكور قال قداسة البابا إنه ورغم أنه يمكن القول إن الجزء الأكبر من الحالات المذكورة فيه يعود إلى الماضي، إلا أننا ومع مرور الوقت قد تعرفنا على آلام الكثير من الضحايا، ونرى أن الجراح لا تزول أبدا وتُلزمنا بالإدانة القوية لهذه الفظائع، وأيضا بتركيز الجهود من أجل القضاء على ثقافة الموت هذه. وأكد قداسته أن ألم الضحايا صراخ يرتفع إلى السماء، صراخ أقوى من محاولات إسكاته أو الأفعال التي حاولت حله بأشكال زادت من خطورته فأصبحت شريكة. لقد أصغى الله لهذه الصرخات، واصل البابا فرنسيس، وذلك كي يرينا مجددا إلى جانب مَن يريد أن يكون. ثم تحدث قداسته عن أننا كجماعة كنسية نعترف بخجل وندم بأننا لم نعرف أن نكون حيثما يجب، وأننا لم نتصرف في الوقت المناسب معترفين بخطورة الأضرار التي لحقت بحياة كثيرين. وذكّر في هذا السياق بكلمات البابا الفخري بندكتس السادس عشر الذي ضم صوته من خلالها إلى صوت الضحايا وأدان بقوة ما قد يرتكبه أيضا الكهنة.
ثم تحدث الأب الاقدس عن ضرورة الاهتمام بهذا الموضوع الخطير بشكل جماعي مؤكدا أن أي مسيرة ارتداد لا يكفي أن تكون على وعي بما حدث، بل نحن مساءلون اليوم وكشعب الله بأن نأخذ على عاتقنا ألم أخوتنا المجروحين في الجسد وفي الروح. وإذا كان الإغفال قد تحول في الماضي إلى نوع من الإجابة، فإننا نريد اليوم أن يكون التضامن، بمعناه الأكثر عمقا وتطلبا، أسلوبنا في صنع تاريخ اليوم والغد، وذلك كي يتمكن بشكل خاص ضحايا أي انتهاك من أن يجدوا يدا ممدودة لحمايتهم وتعويضهم عن آلامهم. ويستدعي هذا التضامن أيضا إدانة كل ما يمكن أن يهدد أي شخص، تضامن يتبنى محاربة كل أشكال الفساد وخاصة الفساد الروحي.
وتوقف قداسة البابا في رسالته إلى شعب الله بعد ذلك عند العمل الذي يتم القيام به في مناطق العالم المختلفة من أجل توفير الأمن والحماية لسلامة الأطفال والبالغين الضعفاء، وأيضا عند انتشار عدم التسامح وأشكال المحاسبة لمن يرتكبون هذه الجرائم أو يتسترون عليها، إلا أننا وحسب ما ذكر قداسته قد تأخرنا في تطبيق هذه الأفعال والعقوبات الضرورية. ويثق البابا فرنسيس من جهة أخرى في أنها ستساعد على ضمان ثقافة حماية أكبر في الحاضر وفي المستقبل.
وإلى جانب هذه الجهود هناك أمر ضروري حسب ما واصل الحبر الأعظم، وهو أن يشعر كل معمَّد بمشاركته في التحول الكنسي والاجتماعي الذي نحن في حاجة إليه، والذي يتطلب ارتدادا شخصيا وجماعيا يجعلنا ننظر في نفس الاتجاه الذي ينظر إليه الرب، وأن نكون حيثما يريد الله منا أن نكون. ودعا البابا فرنسيس في هذا السياق شعب الله إلى ممارسة الصلاة والصوم بروح التوبة وحسب وصية الرب، وذلك لإيقاظ ضمائرنا وتضامننا والتزامنا من أجل ثقافة حماية ورفض تكرار مثل هذه الأشكال من الاعتداءات. وشدد قداسة البابا من جهة أخرى على ضرورة مشاركة أعضاء شعب الله بالكامل في أي ارتداد، وحذر في هذا السياق من النزعة الإكليروسية مؤكدا أن رفض الاعتداءات يعني أيضا رفض أي من أشكال هذه النزعة.
ذكّر قداسته من جهة أخرى بأن “الرب ومن خلال تاريخ الخلاص قد خلّص شعبًا. ولا توجد هويّة كاملة دون الانتماء إلى شعب ما. لذلك لا يخلُص أحد بمفرده، كفرد منعزل. ولكن الله يجذبنا آخذًا بعين الاعتبار التركيبة المعقّدة للعلاقات بين الأشخاص التي تقوم في الجماعة البشريّة: لقد أراد الله أن يدخل في ديناميكيّة شعبيّة، في ديناميكيّة شعب.” (راجع الإرشاد الرسولي “افرحوا وابتهجوا” 6). وهكذا فإن الطريقة الوحيدة الممكنة للرد على هذا الشر الذي أصاب حياة كثيرين هي أن نعيش هذا كواجب يُشركنا ويشملنا جميعا كشعب الله. وأضاف البابا أن هذا الوعي بأننا جزء من شعب ومن تاريخ مشترك يمكننا من الاعتراف بخطايانا وبأخطاء الماضي، وبانفتاح على التوبة قادر على أن يجعلنا نتجدد من الداخل. وشدد قداسته على أن كل ما يتم عمله للقضاء على ثقافة الانتهاك في جماعتنا لن ينجح، بدون مشاركة فعالة من قِبل جميع أعضاء الكنيسة، في تكوين الآليات اللازمة من أجل تحول حقيقي وسليم.
أكد الحبر الأعظم بعد ذلك ضرورة أن نعترف ككنيسة وأن ندين بمشاعر الألم والعار الأفعال الفظيعة من قِبل المكرسين والإكليروس، وأيضا من قِبل مَن كان عليهم الرقابة وحماية أكثر الأشخاص ضعفا. وقال قداسته “نطلب المغفرة على خطايانا وخطايا الآخرين”. وتابع أن الوعي بالخطايا يساعدنا في التعرف على أخطاء وجرائم وجراح الماضي ويَمكننا من الانفتاح على التزام أكبر في الحاضر في مسيرة ارتداد متجدد. تساعدنا من جانبها التوبة والصلاة على جعل أعيننا وقلوبنا أكثر حساسية إزاء آلام الآخرين والتغلب على جشع الهيمنة والامتلاك. وتابع قداسته: فليفتح الصوم والصلاة آذاننا على الآلام الصامتة للأطفال والشبان والمعوقين، وتحدث عن صوم يهزنا ويجعلنا نلتزم في الحقيقة والمحبة.
وفي ختام الرسالة التي وجهها البابا فرنسيس إلى شعب الله اليوم 20 آب أغسطس 2018 ذكّر قداسته مجددا بكلمات القديس بولس الرسول “فإِذا تَأَلَّمَ عُضوٌ تَأَلَّمَت مَعَه سائِرُ الأَعضاء” (1قور 12، 26)، وتضرع كي يهبنا الروح القدس نعمة الارتداد كي نعبِّر أمام جرائم الانتهاك هذه عن توبتنا وقرار مكافحتها بشجاعة.
اذاعة الفاتيكان