كان اللقاء حيث ركعت “رفقا” ذات يوم، في صباها، متوسلة النصح الالهي. وسمعت صوتا. دير سيدة النجاة للآباء اليسوعيين في بكفيا خصّ القديسة التي ألفته أعواماً، بقداس احتفالي مساء الاحد 23 آذار 2014، في الكنيسة عينها، التي غالبا ما قصدتها للصلاة امام ايقونة سيدة النجاة “العجائبية”. في تلك الساعة، هتف لها الناس، “في ذكراها المئوية: يا هَالصبية لْجيتي بلهفة عند العدرا تَ تْشُوفي الطّريق”… وزيّحوا ايقونتها الجديدة، متحلقين حول الرئيس الإقليميّ للرهبانية اليسوعية في الشرق الأوسط الأب فكتور أسود، ومدير مركز الفنون الروحية في الدير الاب زكي صادر.
على هدي رفقا، توالى القداس، بصلوات رددتها، وتراتيل ربما انشدتها. هنا، للقديسة مذبح جانبي خاص، مع لوحة خشبية قديمة حُفِرت عليها نكات لها، وتُعرف باسم “مرح رفقا”، “هذا المرح الذي كانت تتمتع به، وكانت تتعامل بواسطته مع مرضها”، يقول صادر.
ما بين القديسة والدير وكنيسته، علاقة قديمة. البدايات كانت في بكفيا، حيث كانت الصبية رفقا التقية تأتي “لتسترشد لدى الكاهن يوسف الجميل الذي اسّس جمعية المريمات. وقد شجعها على الانضمام اليهن”، يفيد صادر. في حقيقة الامور ان خالتها (شقيقة أمّها) ارادت تزويجها بابنها، وخالتها (زوجة والدها) بشقيقها، ممّا أدّى إلى خصام بينهما. فحزِنَت رفقا لهذا الخلاف واختارت أن تعتنِق الحياة الرّهبانيّة”، وفقا لنبذة عنها.
وتجاه الاصرار على تزويجها، هرعت رفقا ذات يوم الى “سيدة النجاة”، تتوسل مساعدتها. “نظرت إلى الايقونة، فسمعت صوتا يقول لها: “إنكِ تترهّبين”. وقصدت رفقا المريمات، و”قَبِلَتها الرئيسة من دون أن تستجوبها. ودَخلت الدير، رافضة بعد ذلك العودة إلى المنزل رغم حضور والدها وزوجته ليثنياها عن عزمها”.
في ذاكرة الدير ان رفقا كانت تحضر وسائر “المريمات” للصلاة واقامة الرياضات الروحية فيه. “معروف ان رفقا امضت فترة الابتداء في جوار الدير، ترتاد كنيسته. ويرجّح ان تكون “المريمات”، ورفقا احداهن، سكنّ في الجزء القديم من الدير”، يقول صادر. في تأريخ حياة رفقا انها انتقلت بعدها الى اكليريكية غزير، فدير القمر. ثم عادت الى غزير، قبل ان تُنقل الى جبيل “لتدرّس البنات”، ومنها الى معاد. وعلى اثر الازمة التي المت بالمريمات (1871)، دخلت دير مار سمعان القرن-ايطو للرهبانية اللبنانية المارونية، حيث امضت 26 عاما. ومنه الى دير مار يوسف -جربتا، محطتها الاخيرة.
أيا يكن “ترحال” القديسة، فان دير سيدة النجاة وكنيسته لم ينسياها. وعندما تذكراها الاحد مع ناسهما، في مئويتها، استعاد المكان رفقا المصلية، المتوسلة النصح الإلهي. لما حان “لحن البخور” في القداس، هتف الناس لرفقا: “يا هَالصبية لْجيتي بلهفة عند العدرا تَ تْشُوفي الطّريق، لْتِفْتي عَ قلبي الضايع نِتْفة، تَ يِسمَعْ مِتْلك هالصوت الرقيق”. والترنيمة أَلّفها ولحنها صادر خصيصا للذكرى المئوية لرفقا.
ومن وحي انجيل “الابن الضال”، كانت العظة. “مِثل الابن الضال، كانت رفقا تصغي دائما الى الصوت الذي في قلبها. ومثله ايضا، كانت لديها الجرأة لتتجاوز كل العراقيل وتحقق رغبة قلبها”، قال صادر للمؤمنين. عند مذبحها الصغير، اسدلت الستارة عن “ايقونتها” الجديدة، على وقع الترنيمة الشهيرة “خذ يا ربي واقبل مني كلّ ذاتي وافعل بها ما تشاء”، ألحان الأب دان شوتز اليسوعي، وكلمات القديس إغناطيوس دو لويولا، “وهي صلاة طالما ردّدت كلماتها رفقا مع المريمات، على غرار كلّ من يتبعون روحانية القديس اغناطيوس”.
في الايقونة (60X80 سنتيمتر) التي رسمتها الرسامة جهاد جبر صالح، تركع رفقا امام سيدة النجاة، وجها لوجه، مصلية، بوشاح احمر طويل على رأسها، وفستان ازرق غامق. “انها لحظة التمييز لها، والتي سمعت فيها الصوت قي قلبها. وقد اردنا تخليد تلك اللحظة”، يقول صادر. ما ترويه الايقونة هو ان “رفقا ايضا لم تكن تعرف ما تفعل بحياتها، لان واقعها كان يعارض رغباتها، على غرار شباب كثيرين اليوم لا يعرفون ما يفعلون بحياتهم. وبتخليد لحظة التمييز التي عاشتها، نشجع الحائرين في حياتهم على ان يسمعوا دائما الصوت في قلبهم”. وزيّح المؤمنون رفقا، قبل ان تستقر ايقونتها الجديدة فوق مذبحها.
هالة حمصي / النهار