احتفل النائب البطريركي العام على نيابة صربا المارونية المطران بولس روحانا بالذبيحة الالهية لمناسبة عيد الطوباوي يعقوب الكبوشي، في باحة دير الصليب – جل الديب، بمعاونة لفيف من كهنة رعايا منطقة الزلقا – بقنايا و جل الديب، والآباء الانطونيين والكبوشيين والفرنسيسكان، في حضور الرئيسة العامة لراهبات الصليب الأم ماري مخلوف، رئيسة المستشفى الأم ارزة الجميل ومديرته الأخت تمام سلامة وحشد من راهبات الصليب والمؤمنين، واحيت القداس جوقة راهبات الصليب.
العظة
بعد تلاوة إنجيل التطويبات ألقى المطران روحانا عظة مستوحاة من روحانية أبونا يعقوب، توجه فيها الى عائلة الطوباوي الكبيرة، لا سيما المرضى منهم، جاء فيها:”بفرح روحي كبير لبيت دعوة مجلس الرئاسة العامة لجمعية راهبات الصليب لإقامة قداس الشكر للرب في يوم عيد مؤسسهن الطوباوي أبونا يعقوب الكبوشي، ابن بلدة غزير الكسروانية البار، ويوم العيد هذا هو يوم وفاته في السادس والعشرين من حزيران 1954. لقد اصبح هذا اليوم تماشيا مع تقليد كنيسي يوم ولادته الدائمة في الحياة الجديدة في الدهر الآتي كما نقول في قانون الايمان، وكيف يكون غير ذلك وحياة المؤمن على الارض تبقى مشدودة الى تلك الحياة الجديدة كما الى نقطة الوصول التي هي كالمنارة او كنجمة الصبح تضيء دروب حياتنا المتعثرة لتقودها صوب الله. هذه هي دعوتنا الاساسية: من الله اتينا واليه نعود.”
اضاف:”والحياة الجديدة هي الوطن السماوي عند كاتب الرسالة الى العبرانيين بولس الرسول: مدينتنا في السماوات، منها ننتظر الرب يسوع المسيح مخلصا وهو سيغير جسد هواننا فيجعله على صورة جسد مجده، وفقا لعمل قدرته التي بها يخضع لنفسه كل شيء، من رسالته الى اهل فيليبي، ولا يظنن احد ان التوق والانشداد الى الحياة الجديدة في الدهر الآتي او الى الوطن السماوي يعنيان حكما الهروب الى الأمام بحيث لا يلتزم المؤمنون كفاية شؤون الارض المتطلبة.”
وتابع:”الرجاء عند الطوباوي ابونا يعقوب كان الحافز والملهم الاساس لتكريس حياته من دون رجعة بشكل كلي في سبيل خدمة الانسان المخلوق على صورة الله، في الوقت الذي تتعرض فيه هذه الصورة الى كل انواع التشويه، فقرا وبؤسا وجهلا وتمييزا اقصائيا على اساس الجنس والعرق والدين والعلم والثقافة والاقتصاد والصحة، فابن الرجاء، كما كان ابونا يعقوب هو ابعد ما يكون عن النظرة الحالمة او عن الهروب الى الأمام.”
وقال:”كان راهبا كبوشيا متواضعا فقيرا فرنسيسي الروحانية، فكان واقعيا الى أقصى درجات الواقع، التزم قضايا الناس الضعفاء والمستضعفين من كل نوع، فكان ابن التجسد، تشبها بيسوع معلمه، الكلمة الذي صار بشرا وسكن بيننا، كما يقول الانجيلي يوحنا، فيما برنامج يسوع الرسولي يرتسم في كتاب النبي آشعيا، حيث يقول “روح الرب علي، ولهذا مسحني أي كرسني لأبشر المساكين وارسلني لأنادي باطلاق الأسرى، وعودة البصر الى العميان، واطلق المقهورين احرارا، وانادي بسنة مقبولة لدى الرب.”
اضاف:”لو لم يكن ابونا يعقوب ابن الرجاء، لكان مر كغيره من الناس بالقرب من مآسي البشر وجاز عنها ومال، ولكان اكتفى كغيره من الناس بتشخيص آفات مجتمعه وكنيسته بدون ان يقدم اي مبادرة عملية للاصلاح، بل شمر عن ساعديه بعد ان سمع نداء الرب وسط اوجاع اخوته البشر، فعرف ان حياة المؤمن بالمسيح ليست في زمن السلم والرخاء بقدر ما هي اتباع محب ليسوع، بموجبه نتحول تلاميذ له رسلا في العالم بالقول والعمل، ولم يكن ابونا يعقوب ليقوى على عيش التتلمذ للرسالة بكل متطلباتها الصعبة لو لم يكن يتلمس بعين الايمان ان صليب يسوع هو ذروة المحبة، محبة الله للانسان، كل انسان، ومحبة الله هي اساس محبتنا بعضنا لبعض، لقد فهم ابونا يعقوب ان صليب يسوع هو ذروة المحبة لان المحبة هي صليب الى حد التماهي بين المحبة والصليب”.
وقال:”فلنسمع ابونا يعقوب ما يقوله في هذا المجال “الحب والالم هذا كتاب الجلجلة، كتاب أصدقاء المسيح الحقيقيين”. ويقول ايضا “ان كل حب لا يأخذ مصدره من آلام المسيح، هو تافه ومهدد بالخطر، فحب المسيح هو قياس لحبنا لبعضنا البعض، هو القائل أحبوا بعضكم بعضا كما انا احببتكم.”
وتابع روحانا:”في هذا السياق، من ارتضى ان يتبع يسوع حتى النهاية على خطى ابونا يعقوب، لا بد من ان يضع في حساباته الالم والتضحية في سبيل الآخرين حتى بذل الذات، منطق الفدية ومنطق الكفارة باسم محبة الصليب او الصليب – المحبة، بدون ذلك لا يمكننا ان نفهم بالعمق معنى الامومة والابوة والاخوة والكهنوت والرهبنة وحتى خدمة الشأن العام.”
وقال:”على هذا الرابط الوثيق بين الصليب و المحبة اراد ابونا يعقوب ان ينشىء في العام 1930 اي منذ تسعين عاما جمعية راهبات الصليب، وكان يدرك تمام الادراك، انه بدون هذا الرباط لا يمكنهن القيام بمتطلبات الرسالة الصعبة التي كانت تنتظرهن في مجال تعليم وتربية الاولاد في الأوساط الجبلية والفقيرة والعناية بالمرضى والمقعدين والبؤساء والاهتمام بالكهنة العجزة الذين كانوا موضع اعتبار خاص عند ابونا يعقوب، واستقبال المصابين بالأمراض العقلية والذين في سبيلهم انشأ في دير الصليب هنا منذ العشرينات من القرن المنصرم مركزا فريدا لهم، ما لبث ان تحول في العام 1951، قبل وفاة ابونا يعقوب بثلاث سنوات، الى مستشفى دير الصليب؛ كل ذلك في ظل ذهنية شعبية سائدة لا مكان فيها لكرامة المصابين في كرامتهم الشخصية كأناس مخلوقين على صورة الله.”
وتابع:”في ظل افتقاد العلاجات الكيميائية المتخصصة والفاعلة للتخفيف من شدة التشنجات وحالات الهذيان التي كانت تعتريهم، وقد استمر هذا الواقع الصعب والمؤلم للمرضى وعائلاتهم على ابونا يعقوب بالذات، وعلى الراهبات والجسم الطبي آنذاك، الى ان تم اكتشاف الدواء – المعجزة على يد طبيب فرنسي في الخمسينيات من القرن المنصرم وادخاله الى لبنان والى دير الصليب من خلال المرحوم الدكتور ادوار عازوري.”
اضاف:”قام ابونا يعقوب بتأسيس جمعيات راهبات الصليب، فأولى العلمانيين المؤمنين بالمسيح اهتماما رسوليا لافتا بحيث انشأ لهم في سياق ما قام به القديس فرنسيس الأسيزي سنة 1221 ما يسمى “بالرهبانية الثالثة” التي تعمل بالشركة مع الرهبانيتين الاولى للرجال والثانية للنساء، فبالنسبة الى ابونا يعقوب الرهبانية هي هي، هي بكلمة واحدة حياة الإنجيل بحذافيره أعاشها الرهبان الرجال ام الراهبات ام العلمانيون في الرهبانية الثالثة، فالرهبانية بقدر ما هي اتباع ليسوع هي انجيلية في منطلقاتها واهدافها. بالاستناد الى هذا كله وجد ابونا يعقوب والكلام له، “ان اقصى شكل للرسالة بين الشعب الكاثوليكي هو نشر الرهبانية الثالثة على خطى القديس فرنسيس، الذي اراد ربما بذلك ان يجعل العالم كدير عظيم.”
تابع:”يعبر هذا الانشاء عن حدس كنسي ملهم عند ابينا يعقوب قوامه ان كل المعمدين بالماء والروح والذين يؤلفون كنيسة العنصرة هم مدعوون جميعا كل وفق الموهبة الخاصة التي افاضها الروح عليه لتحقيق ما يسميه بولس الرسول بالخير العام، وذلك بأن يكونوا معا تلاميذ رسلا للمسيح القائم من الموت، وهم واثقون بأنه معهم كل الايام الى نهاية العالم ، ولا يتحقق الخير العام المرجو الا اذا كنا على قدر كبير من الشركة بيننا، بالحقيقة اولا وبالمحبة.”
وقال:”بهذه التأملات الأولية التي استقيتها من سيرة الطوباوي ابونا يعقوب أتوجه بالتهنئة الروحية لبناته راهبات الصليب بعد تسعين عاما على نشأتهن ونحن نصلي، كيما بشفاعته تتجدد الجمعية بروح الصليب – المحبة، وهي على أبواب المجمع العام الثالث عشر في تموز المقبل لانتخاب سلطة جديدة تواصل التتلمذ الرسالة للمسيح على خطى الكبوشي الكبير الراهب المؤسس.”
وتابع:”في عيد الطوباوي ابونا يعقوب، وهو العاشق للمحبة – الصليب نحن مدعوون لأن نعيش صليب يسوع أنشودة محبة لا تستثني احدا لأن المحبة هي من الله. نحن نرجو في هذا اليوم المبارك ان نعيش الصليب مظلة واسعة تحتضن كل الناس الموجوعين والمجروحين بحريتهم وكرامتهم الشخصية، فنشرك آلامنا بآلام السيد المسيح نصرة لكل قضية تجعل منا عائلة بشرية متحابة في قلب الله الذي هو محبة.”
وختم قائلا:”قدرنا الله اخيرا ان نتحلى بتواضع ابينا يعقوب في علاقتنا بالله، ونحن نحب الله ومحبة الله هي اساس ثابت وصلب لحبنا بعضنا لبعض.”
وسبق القداس مسيرة لعيلة ابونا يعقوب انطلاقا من كنيسة مار عبدا – جل الديب الى الضريح، واختتم بتطواف بذخائر القديس.
وطنية