تقمَّصت فلسفة جبران خليل جبران بيدِ رودي رحمة، التي نحَتت وجه جبران كأنّها تُجسّد روحَه لا فقط معالمَ وجهه. وقد عُرِضت هذه المنحوتة إلى جانب 3 منحوتات أخرى خلال الاحتفال التكريمي للأديب والمفكّر والفيلسوف والرسّام اللبناني الأميركي جبران خليل جبران، الذي نظّمته السفارة الأميركية في لبنان أمس الأوّل.عُرضَت منحوتة «شفافية الحكمة» للمرّة الأولى في السفارة الأميركية في عوكر بمناسبة الاحتفاء بأعمال الكاتب العالمي. وفي حديثٍ خاص لـ«الجمهورية»، شرَح الفنّان التشكيلي رودي رحمة ابنُ بشري «موطن قلب» جبران معاني منحوتاته المُستوحاة من أعمال جبران خليل جبران.
حكمة جبران في وجهه
المنحوتة الأولى التي استقبَلت الزوّار في حديقة السفارة الأميركية في عوكر، حملت عنوان «شفافية الحكمة» وهي كناية عن وجه جبران خليل جبران. وعن هذه المنحوتة قال رحمة: «جبران ابن ضيعتي ومنطقتي، ابنُ جبل المكمل المعروف بعمقه وعلوِّ جباله، جبران الذي غاصَ في معرفة البشرية وفلسفاتها ودياناتها، وهو الذي شدَّد على توحيد هذه الديانات أمام الله الواحد الأوحد.
نلاحظ أنّ جبران بشفافية الحكمة بعينيه، بحكمة كلّ ما مرّ قبله وكلّ ما سيأتي بعده، وكلّ ما تنبّأ حدوثه في كتاباته، إنْ في كتاب «النبي» أو «رمل وزبد» أو «يسوع ابن الانسان» أو «الأجنحة المتكسرة»، تتكسّر كلّ الديانات التي فيها توحيد خاصّ بها، ويَبرز الانفتاح على الديانات التي تحوي الخير والبَركة وتوحيد للسلام العالمي.
هذه كانت كلمة جبران، أنْ مهما فعلتم في هذه الدنيا يبقى الأهمّ الخير والسلام والكلمة الحرّة التي ممكن أن يُبنى عليها أوطان، من هنا نشعر بأنّ أجنحته لم تعُد من هذا العالم. هذا العالم أصبح غريباً على جبران وعلينا.
الصخرة الماشية
منحوتة «walking rock» أو «سفرة الحرف» التي عُرضت في السفارة الأميركية، قُدّمت نسخةُ منها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامته أخيراً بلدية زحلة للشاعر الراحل سعيد عقل.
ومن خلال هذه المنحوتة يقول رحمة «وحّدوا هذا البلد من أجل لقاء اللبنانيين ببلدٍ جميل ومهمّ كما نعرفه، مُمتلئ بالخضار والزهر والضوء الكبير».
هذه المنحوتة هي كناية عن يد كبيرة مفتوحة نحو السماء، وشرَح رحمة أنّها ترمز إلى اليد المُعطاة لمعرفة البشرية وتحمل أحرفَ الأبجدية التي نشر فيها اللبناني كلّ عوالمه على شواطئ العالم.
وأوضَح أنّنا نرى العمقَ الأوحد من خلال أصابع اليد الثلاثة الصاعدة نحو الله. وقال: بكلّ حرفٍ من الحروف على كلّ شطّ تركناها كفينيقيين «الصخرة ماشية»، نحن صخورنا تسير دائماً نحو توحّدِ اليد الواحدة.
اليد بكلّ حركاتها هي أكبر وأوسع من الكلمة. من هنا تكتب حكايات لا تستطيع أن تكتبها الكلمة، بل تكتبها الحركة، وكلّ شعب قادر أن يصل إلى الحركة والسَمع هو شعب قادر أن يتطوّر وأن يبني عظمة لنفسه، وإلّا فسنبقى شعوباً -وخصوصاً نحن الرجال الشرقيين- لا نعرف إلّا اللمس. يجب العودة إلى المرأة الداخلية التي تَغنّى بها جبران، الأمّ الداخلية، أمّ الأرض التي تحضن أبناءَها.
هذه يدٌ قائمة من كلّ البشرية وضوضائها، لتقولَ توحَّدوا فهناك سماء واحدة وإله واحد.
ستُنقل هذه المنحوتة إلى محترف رحمة في نهر الكلب-المتن، المفتوح لاستقبال الزائرين وكلّ من يحبّ اقتناءَ المنحوتات المتوافرة للبيع، على أن تُعرَض منحوتة «walking rock» خلال مشاركة رحمة في معارض عالمية عدة، من ميامي إلى نيويورك إلى باريس وأمستردام وموناكو وغيرها من المدن العالمية.
الأرزة… أجساد اللبنانيين
أمّا «دائرة السلام»، المنحوتة الثالثة التي عُرضت في السفارة الأميركية في لبنان، فتعبّر عن السلام وتوحيد السلام، للقاء دائريةِ الحبّ بين الأيدي الأربعة، يدَي الرَجل ويدَي المرأة في وطن السلام الكامل.
وقال رحمة: «الشمس الرمز الأكبر للسلام، تشرق لحالها وتعطي نورَها لملايين السنوات، ولا يستطيع أحد أن يوقفها، كي تكتبَ شعاعها في آخر ذرّةٍ من الكون الواسع، الذي لا نستطيع نحن أن نحدَّه.
ربُّ الكون جميل، وحين نُغمض عينينا نتخايل ونتذكّر أنّ الكون بوسعه وكواكبِه موجودٌ داخلنا، ويمكننا أن نسافر في هذا العالم إلى اللاحدود برحلة السلام الداخلية».
وعن المنحوتة الرابعة «أرزة الأجساد»، شرَح رحمة أنّها تمثّل مجموعةً من الأجساد، أجسادِ اللبنانيين المتضامنين والموحّدين لتكوين هذه الأرزة، وتوحيد هذا الدهر، دهر لبنان الأوحد.
أرزة الأجساد تمتدّ أغصانها، وجذوعها مترسّخةً في التراب لتثبّتَ نفسَها في هذا الوطن. «هذا إيماني بشعبي»، قال رحمة، مُشيراً إلى أنّ أعماله هذه «مُستمدّةٌ من حكمة جبران وترجمةٌ لفلسفته وأفكاره».
راكيل عتيق
الجمهورية