العجم هم العجم. واليهود هم اليهود. أمّا الروم فمَن هم؟ سؤال خطر ببالنا عند سماعنا كلمة النائب وليد جنبلاط، الأحد الفائت، في عاليه. ولم نكن لنطرح هذا السؤال لو لم يعقد جنبلاط صلة وثيقة بين تحطّم الحلم العربيّ “إربًا إربًا”، وأصابع “الروم والعجم واليهود”.
لقد اندثرت قوّة الروم البيزنطيّين في هذه البلاد. زالت إمبراطوريّتهم، والحمدلله، وبزوالها ارتضى روم بلادنا لأنفسهم الفصل ما بين الدين والدولة، ارتضوا لأنفسهم علمانيّة الدولة. لكنّ الأكيد أنّ جنبلاط لم يقصد بحديثه روم لبنان وسوريا، إذ لا حول ولا قوّة لهم، بل كان يقصد ورثة الروم وإمبراطوريّتهم.
ورثة العجم هم العجم. ورثة اليهود هم اليهود. أمّا ورثة الروم فهم، جغرافيًّا، العثمانيّون الذي أساؤوا، وما زالوا يسيئون، إلى المسلمين وغير المسلمين، وهم المشهورون، والعجم كذلك، بعدائهم التاريخيّ لكلّ ما هو عربيّ ومَن هو عربيّ. أمّا إذا كان المقصود بالروم الروس، فتفكير سليم، ذلك أنّ الروس ورثوا الروم دينيًّا ومذهبيًّا وحضاريًّا.
يأسف جنبلاط، عن حقّ، لما آلت إليه الأوضاع في بلادنا، منتقدًا الجاهليّة أو الجاهليّات المتنقّلة في أرجاء العالم العربيّ والإسلاميّ التي يتحطّم عليها الحلم بغد أفضل. لكن هل الروم وورثتهم، والعجم، واليهود هم المسؤولون الوحيدون عن تحطّم الحلم الجميل؟ أم أنّ العرب، وبخاصّة ذوي الثروات ما فوق الأرض وما تحتها، هم مشاركون أساسيّون في الخطيئة والإثم؟
نعم، نحن عدنا إلى عصر الجاهليّة. الجاهليّة القديمة كانت من دون إسلام، الجاهليّة الراهنة دعاتها مسلمون. أمّا أبرز السمات الجاهليّة فهي التخلّي عن مفهوم الأمّة الواحدة “بمسلميها وغير المسلمين”، لصالح التشرذم المذهبيّ والقبائليّ والمناطقيّ، ولصالح التباغض والتقاتل والتذابح. وهل يسعنا عدم وصف النزاع السنّيّ-الشيعيّ بغير الجاهليّة؟ أليس قتل امرئ بريء لمجرّد انتمائه إلى مذهب مغاير نوعًا من أنواع الجاهليّة، يشبه ما اعتادت عليه القبائل من إلقاء المسؤوليّة على جميع أفراد القبيلة الخصم، وتاليًا تحليل قتل أيّ فرد ينتمي إليها؟ هل من الإسلام أن يقتل المسلم مسلمًا، أم أنّ ذلك من الجاهليّة؟
في العودة إلى لبنان، لا ريب في أنّ الجاهليّة العظمى تكمن في الطائفيّة التي يمتدحها الكثيرون لكونها أعظم ابتكار عبقريّ لبنانيّ. الذهنيّة الطائفيّة التي تعتبر المذاهب مجرّد قبائل لها حصص في الدولة، ولها حصص من الفساد، ولها ارتباطات خارجيّة شتّى، هذه الذهنيّة التي سببت حروبًا متتالية منذ قرنين وأكثر، ليست سوى جاهليّة تقضي على الأمل ببناء الدولة على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعهم.
الحلم يتحطّم. لكنّ أصحابه هم المسؤولون قبل سواهم عن تحطّمه. روم، روس، عجم، يهود، عثمانيّون جدد، أميركيّون، أوروبيّون… اتّهامهم جائز، لكنّه بلا جدوى، فلغة المصالح وحدها التي تفرض نفسها لديهم. المسلمون والعرب هم المسؤولون عن تحقيق حلمهم، ولن يحقّق أحد سواهم حلمهم. ثمّ إلى متى سنظلّ نصدّق مقولة: حرب الآخرين على أرضنا؟ أنحن غافلون إلى حدّ أننّا لا ندرك أنّ ثمّة من يستغفلنا؟
كي يصبح الحلم واقعًا لا بدّ من تحطيم أصنام الجاهلية، أصنام الطائفيّة والتعصّب المذهبيّ والتطرّف الدينيّ، وأصنام الأحزاب الشموليّة والدينيّة والطائفيّة. يبدأ الحلم حين يباشر رحلته نحو تغيير الواقع.
ليبانون فايلز