يوم كان الأب اغناطيوس التنوري رئيساً على دير كفيفان، صدر اليه امر بطريركي من البطريرك “الياس الحويك”، يوجب اليه الذهاب الى عمشيت، لاصلاح ذات البين بين “سليم وهبه” و”اسعد لحود”، فالصراع بينهما كان نتيجة الصراع الماروني – الماروني، اذ انقسمت الطائفة المارونية سياسياً عام 1908، بين مؤيّد لإرسال مندوبين من جبل لبنان إلى “مجلس المبعوثان العثماني”، وبين رافض لهذا الموقف، تمسّكاً باستقلال جبل لبنان الذاتي، فقد اصدرت حكومة ألآستنة أمراً بوجوب انتخاب عضوين من جبل لبنان، أحدهما مسيحي والآخر درزي لمجلس “المبعوثان”.
وقد قام وقتها “سليم وهبه” بجمع التواقيع المعارضة لمجلس “المبعوثان” من البلدات الجبيلية كافة، وسطّر معظم اهالي عمشيت تواقيعهم على هذه العريضة…
وكتب الأب “يوسف خشان” عن لسان الاباتي “التنوري”، بخصوص صلحة عمشيت:”توجهت الى عمشيت أحمل رسالة من غبطته، يأمرني بها أن أنزل في بيت سليم بك وهبه”وصلت الى تلك الدارة الكبيرة. فوجدت صاحبها سليماً يلعب المنقلة مع “مارون بك عبود”، وقربهما “عبد الله بك وهبه” ابن عمه. دفعت الرسالة الى “سليم بك” فقرأها، ثم قال: نحن أولاد غبطته، فيأمر بكل ما يريد، أهلاً وسهلاً يا محترم…”.
فأخذ التنوري “في الصباح يتلو الذبيحة في كنيسة مار اليشاع ويعظ بحضور العديد من عائلة آل وهبه. وفي المساء يصلّي ويزيّح في كنيسة السيدة، بحضور العديد من آل لحود”.
وأخبر التنوري:”…كانت العنابة الالهية تدبّر الأمور وتمهّد الصعاب أمام هذا الصعلوك الضعيف حتى بلغ يوم العشرين حين حدثت المشاجرة على مكان الاجتماع للمفاهمة، قلت لهم: يا آل عمشيت، أنتم كبار بعقولكم وفهمكم وتفكيركم ومكانتكم. ما رأيكم اذا اجتمعنا في بطرخانتكم؟ التي هي للجميع دون تمييز؟ قالوا: نعم الرأي، فتقرر الاجتماع صباح الأحد في الثامن من تموز 1910، ذلك اليوم التاريخي المبارك…
ففي ذلك الصباح المشهود، زحفت الى عمشيت الوف مؤلفة من جميع أنحاء بلاد جبيل، جموع أتت لتشهد عمل الله في عمشيت…وكنت أفكّر بماذا أخاطب هؤلاء الوجوه”؟
(في كتاب ليباوس داغر، يتحدث الاب الجليل عن حمل بعضهم السلاح وكان يتخوف الأب التنوري من عدم مبادلة السلام لبعضهم البعض في القداس).
“أجلت نظري، فوقع على صليب معلّق في الحائط…رجوت أحد الشبان فدفعه اليّ…وكان الصليب موضوع كلمتي…شرحت بتأثّر عميق حياة المخلّص وما يرمز اليه الصليب من المحبة والتضحية والمغفرة والصفح. وهذا صوته يدوي في قلوبنا وأذاننا :”يا ابتاه اغفر لهم”، وفجأة وعلى غير انتظار مني، اندفع “سليم بك وهبه”، وأخذ الصليب من يدي بقوة، وقبّله بحرارة، وهو الخصم في الخلاف…وبأقل من لمح البصر، تناوله الخصم الآخر “أسعد بك لحود”، وقال لي:”ليس الصليب لك وحدك يا بونا، بل هو لي أيضاً”، وقبّله بحرارة، فرقص قلبي فرحاً…وشكرت الله من اعماق نفسي، على نعمته وعونه…ثم اندفع الخصمان يتعانقان تحت راية الصليب المفدى…فدوّت القاعة والاروقة بالتصفيق ابتهاجاً بالوفاق…
“واقبل الناس يهنئون بعضهم بعضاً، واضطررت أن أزور عمشيت بيتاً بيتاً، شاكراً لهم نياتهم الحسنة وتعلّقهم المتين بانجيل المسيح”.
Aleteia