يشهد شارع مار جرجس، شريان مدينة بعلبك التجاري ورمز نسيجها المتنوع، ورشة تنفيذ مشروع “ساحة السيدة مريم العذراء”. والساحة المستحدثة “عبارة عن مثلث يتوسطه تمثال لمريم العذراء ارتفاعه 5 امتار، قاعدته متران ونصف المتر، والتمثال بحد ذاته متران ونصف المتر. يحوط التمثال 7 دوائر، “لان الرقم 7 رمز الكمال، وستنا مريم هي الكاملة”، تتدفق من التمثال مياه تروي الزرع في الدوائر السبع، “لان المياه اساس الحياة”. ويقابل التمثال، تمثالان بالزيّ البعلبكي، واحد يحمل فرمان التبشير الملائكي من الانجيل، والثاني يحمل آية البشارة من القرآن الكريم. ويتضمن المشروع ايضا تجميل الساحة لجهة الانارة، والارصفة وتعبيد الطريق، وترميم مزار مار جرجس- الخضر في الساحة، وانشاء رصيف يربط “اوتيل بالميرا” الذي هو مدخل القلعة بساحة سيدة بعلبك”. وأضخم ما في المشروع، الذي تبلغ تكلفته 50 الف دولار، انه مبادرة فردية لمجموعة من الشباب البعلبكيين، وممول في شكل كامل من تبرعات.
فمقابل كل من اعتقد ان الذي يفرق اللبنانيين اكثر مما يجمعهم، ومن استسلم الى ان الصراع قدر يساق اليه اللبنانيون، ومن اقعده اليأس من امكان احداث فرق، هناك حسين حسن ومحمد الصلح وميشال غصين وجورج صعب. اربعة شبان، اصدقاء، من بعلبك وقضائها، آمنوا ان “ربّ همة احيت امة”. وارادوا في مرحلة تمرّ فيها منطقتهم بأصعب ظروف، وتدفع من امنها وامانها، من اقتصادها، من تآلف اهلها، وابهظ ثمن من ارواح شبابها، في زمن اصبحت فيه اعمال الكراهية والحقد والتعصب والتطرف شرائط مصورة، ان يبنوا صرحاً للانسانية، للمحبة، للفرح والتعاضد. فكانت فكرة انشاء واحة جمال في احد الشوارع الرئيسية لمدينة بعلبك وتكريسه على اسم “السيدة مريم العذراء”.
“لماذا ستنا مريم؟” يقول الاستاذ الجامعي حسن حسن، “لانها نقطة تواصل جامعة لكل الطوائف. لانها الملكة والمباركة والشفيعة المؤتمنة الممتلئة نعماً والمصطفاة على نساء العالمين”. ويضيف: “لماذا بعلبك؟ لان مدينة الشمس هي رمز التلاقي وارض الشركة والشراكة”. “كل عمري عندما اطلب ستنا مريم اجدها الى جانبي” يقول المصرفي محمد الصلح، لذا ارادها ان تطبق ” ما تفعله معي ومع بيتي، على بيتنا الكبير بعلبك. نجلب ستنا مريم اكثر بروحها لتساعدنا، اعمالها بمحبتها بعطائها، تنير قلوبنا وتهدينا”. ويقول المهندس ميشال غصين: “مذ كنت صغيرا لغاية اليوم، لم اعرف سيدتنا مريم الا وهي تشفي وتساعد وتحب. ولما سألتها من الذين احببتهم وشفيتهم وساعدتهم؟ هل هم مسلمون؟ هل هم مسيحيون؟ اجابتني جميعهم اولادي. واليوم جاء الوقت لنشكرها”.
وضع كل من الاستاذ الجامعي والمصرفي والمهندس من وقته وعلاقاته وخبرته العملية في خدمة المشروع. اعدّ ميشال التصميم الهندسي، وتولى محمد دراسته المالية، وعمل حسن وجورج على تسويقه وتأمين الدعم والموافقة عليه وجمع التبرعات بعيدا من التسييس والفئوية والشخصنة. صادفتهم على الدرب الاحكام المسبقة، الهواجس، سوء الظن، عدم القبول واليأس، اعاقتهم 5 اشهر ولكنهم ذللوها. في المقابل لاقتهم على الدرب بلدية بعلبك التي وافق مجلسها البلدي على المشروع في آب 2013، ومن جاد بوقته وجهده كالاب الياس مارون غاريوس الذي تطوع لنحت التماثيل، والمهندس علي قانصوه الذي ينفذ مجاناً عبر مكتبه الهندسي المشروع، وصولاً الى صاحب الفرن في الساحة الذي آثر فتح فرنه يوم الجمعة فقط لخدمة عمال الورشة القائمة. ووجدوا من دعمهم معنوياً ومن دعمهم مادياً فجمعوا 23 الف دولار. وبغرض الشفافية اسسوا “الجمعية اللبنانية للتعايش والانماء”، وصفحة على “فايسبوك” عنوانها Notre-Dame Square,Baalbeck تنشر عليها مراحل تطور المشروع وكيفية صرف التبرعات.
من زحلة وافاهم الزميلان الصحافيان ميشال ابو نجم وشارل سابا والمعلم جورج حرب، الذين شكلوا معاً لجنة متابعة زحلية لجمع التبرعات للمشروع. لماذا تحمس شباب بزحلة لمشروع في بعلبك؟ يقول ابو نجم: “لنساهم وان في امكانات بسيطة انما بحب كبير، بتكريم مريم العذراء، ونبقى نتضرع لها، احفظي لبنان واحميه من كل شر. لرمزية هذه الخطوة بتقديم الاشارة لمسيحيي بعلبك والمناطق الريفية عموماً على التمسك بوجودهم وارضهم وهويتهم، وتفاعلهم مع محيطهم. لنقول بانه وحده الاعتراف بالآخر المختلف، هو خشبة الخلاص للمجتمع اللبناني ومجتمعات المشرق، وعلى الصعيد الشخصي وعلاقات الافراد بين بعضهم بعضاً”.
في حراكهم وجد الشباب البعلبكيون والزحليون في راعي ابرشية الفرزل وزحلة المطران عصام درويش سنداً لهم. وفي رعايته اقامت لجنة متابعة زحلة عشاء جمع تبرعات، ليل الجمعة في المجمع السياحي “تلال” بزحلة، احياه مجاناً الفنان الزحلي نقولا الاسطا. لقاء جمع البعلبكيون والزحليون، شاركهم فيه مواطنون من كسروان والبترون وطرابلس. لم يتأخر عنه النائبان اميل رحمة وايلي ماروني، الوزير السابق غابي ليون والنائب السابق حسن يعقوب. حضر مساهما منسق “القوات اللبنانية” كما منسق “التيار الوطني الحر”، ووافى رئيس بلدية بعلبك حمد حسن، رؤساء بلديات آخرون، من بينهم خرج رئيس بلدية حزرتا احمد ابو حمدان، معلناً ان النصب المقبل لمريم العذراء سيكون في حزرتا.
وشكر المطران درويش بعلبك “التي تعطي الصورة الحقيقية عن الاسلام والمسيحية” اضاف: “قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني ان لبنان اكثر من وطن هو رسالة، اليوم بعلبك جسدت هذا القول وصارت هي فعلا الرسالة الحقيقية للبنان”.
يتوقع ان يتم تدشين “ساحة السيدة مريم العذراء” في بعلبك يوم عيد انتقالها في 14 آب المقبل. ويقول حسين الحسن ان الرسالة التي ارادوها من مشروعهم هو ان يزرعوا الايمان لدى الشباب اللبناني بانه قادر بمقدراته ان يحدث فرقاً، “فنشهد مبادرات اخرى متنوعة على صعيد كل لبنان”.