فهل هناك أسباب نفسية تدفع المراهق إلى السخرية من الآخرين؟ وما هو دور الوالدين في هذا الموضوع؟ وكيف يمكن مساعدة الأهل والمراهقين في إجتياز هذه المشكلة التي تتفاقم خصوصاً في مرحلة المراهقة؟
لم تكن يوماً السخرية تصرفاً لائقاً للإنسان. فالسخرية مهما كان نوعها وطريقة إلقائها، تبقى «سخرية» لا يمكن أن يتقبلها أي إنسان. في مرحلة المراهقة، تكون السخرية موضع إهتمام وإستعمال متكرّر بين المراهقين أنفسهم، الذين يحبون هذا النوع من التصرفات. ولكن أحياناً، تتخطّى السخرية دائرة المراهقين، ويصبح الأهل والإخوة والأخوات والأقارب وزملاء الصف… ضحية هذا التصرّف.
ويعتبر البعض أنّ المراهق الذي يسخر من الآخرين يتمتّع بثقة كبيرة بنفسه، ولكن هذا غير صحيح. فالولد الساخر هو مثل باقي المراهقين، يتمتّع بشخصيّته الخاصة، ولكن بسبب بعض المشكلات التي تمرّ أو مرّت في حياته، يفضل أن يستعمل «الآخرين» للسخرية بدلاً من التكلم عن مشكلاته الخاصة.
أما بالنسبة للمراهق الذي يسخر من أهله، فطبعاً مشكلات عائلية كثيرة تكون مطبوعة في رأسه وتجعله شخصاً يتألم من الداخل ويسخر من أهله لتخفيف هذا الألم.
ولكن، ثمّة أولاد يتعلّمون السخرية من أصدقائهم. فمبدأ السخرية يكتسبه بعض الأولاد من أصدقائهم أو حتّى من أهلهم. مثلاً إذا كان الأب يسخر من الأم أمام الأطفال أو العكس، فسيكتسب الولد هذه العادة ويستخدمها في حياته اليومية.
السخرية من الوالدين
الكثير من المراهقين، يجعلون من أهلهم أداة للسخرية. وفي حال وجود تلك المشكلة في العائلة، يجب على الأهل تحديد دورهم تجاه جميع أفراد العائلة. فلا يقتصر دور الأب على جلب المال لصرفه على عائلته، بل يلعب الوالد دور «الحامي» لكلّ أفراد عائلته. فهو الذي يجلب الطمأنينة النفسية لجميع أفراد العائلة، وهو القائد القوي الذي يستهيبه الجميع ولا يمكن لأحد أن يتخطى «الحدود» معه. فيجب إحترامه مهما كلفّ الأمر.
كما على الأم، التي يمكن أن تكون ضحية لسخرية طفلها المراهق، أن تفسّر له بأنّ دورها هو العطاء ومساعدة أطفالها، وبالمقابل على الأولاد أن يصغوا ويطبّقوا ما تطلبه منهم. ولكن المشكلة تكمن عندما تتبدّل ألادوار في العائلة، حيث لا يلعب الأب دوره بالكامل وتغيب الأم «نفسياً» عن منزلها وتتراكم غيرها من العوامل النفسية والنفسية – الإجتماعية، فيستغلّ المراهق هذا الضعف والغياب العائلي، ليحوّل الأب والأم إلى مادة سخرية. ففي علم النفس التحليلي، يمكن أن نعتبر السخرية نوعاً من التنبيه للأهل من قِبل المراهق لكي يلعبوا دورهم بشكل كامل. فتصبح السخرية نوعاً من «التوعية» للوالدين.
كما نجد أنّه في بعض الأحيان، يتبع المراهق السخرية لمقارنة أهله مع أهالي زملائه في المدرسة. فعندما يلاحظ المراهق بأنّ أهله أقل شأناً من الآخرين، يصبح أشد إنتقاداً، حيث يستعمل السخرية للمقارنة.
ما هي الأسباب التي تدفع المراهق إلى السخرية؟
يمكن إعتبار السخرية من أكثر التصرفات إستفزازاً عند المراهق، الذي يستعملها لتقييم ردة فعل الشخص الذي يقع ضحية سخريته. وهناك الكثير من الأسباب التي تكون وراء ذلك التصرّف الذي يولد في مرحلة الطفولة ويتبلّور في مرحلة المراهقة ويمكن أن يستمر حتى عمر الرشد. ومن هذه الأسباب:
– تقليد أحد الأصدقاء أو أحد أفراد العائلة والشعور بالقوة من خلال السخرية. فخلال مرحلة المراهقة، يقلّد الشاب أو الشابة الجماعة التي ينتمي إليها. فإذا كانت هذه الجماعة منمّرة وتستعمل أسلوب السخرية في علاقاتها مع الآخرين، يستعمل المراهق الأسلوب نفسه.
– السخرية من الأهل ومضايقتهم تدفع المراهق إلى الشعور بالتفوّق والقوة. فتكون السخرية هي ردة فعل تجاه تصرفات الاهل، كما العدوانية اللفظية يمكن أن تكون سبباً آخر تدفع بالمراهق إلى السخرية من الآخرين.
– من الأسباب التي تجعل المراهق يسخر من أهله، هو إعتقاده أنّ هذا الأمر سيجعله مقبولاً من أصدقائه خصوصاً الذين يسخرون أيضاً من أهلهم.
– للحصول على انتباه واهتمام الأهل حتى لو كان هذا الاهتمام سلبياً، مع الأخذ فى الاعتبار أنّ هذا الاهتمام السلبي بالنسبة لبعض المراهقين هو أفضل من ألّا يهتم بهم أحد على الإطلاق.
– بعض المراهقين يسخرون من أهلهم بسبب إلاختلاف في التفكير والتصرفات. ولكن هذا لا يبرّر تصرفهم المشين.
معالجة سخرية الأولاد من أهلهم
عندما يسخر بعض الأولاد من أهلهم، قد يضحك لهم الأهل من دون أن يعيروا هذا الموقف الخطير أية أهمية. ولكن، السخرية مهما كانت، مضحكة أم لا، موجّهة من ولد أو من راشد، مؤذية أو مرحة،… تُعتبر سخرية ولا يمكن أن يتقبّلها أيّ إنسان.
وللسخرية تأثير سلبي على الأهل، الذين قد يلجأون إلى العنف لمواجهتها. فعادة ينتظر الأهل من أولادهم الإحترام والتقدير، وعندما يواجهون السخرية من فلذة أكبادهم، يؤدي ذلك الى عدم رغبتهم بلعب دورهم كأهل وبالتالي يستسلمون للعدوانية.
كيف يمكن مساعدة المراهق؟
هناك الكثير من الاساليب التي يمكن إتباعها لإبعاد آفة السخرية عن لسان أطفالنا المراهقين ومن أهمها:
أولاً، مساعدة المراهق في التعبير عن مشاعره وحسن التحكّم بالمواقف المختلفة. لذا على الأهل متابعة أولادهم والتفسير الدائم لهم أنه لا يحق لهم أن يجعلوا من الآخرين مادة للسخرية. كما على الأهل الحرص وعدم إستخدام كلمات ساخرة لكي لا يتعلّمها ولدهم فيردّدها في مدرسته ومع أصدقائه.
ثانياً، يحبّ بعض المراهقين لفت الإنتباه، لذا دور الأهل هو متابعتهم في كلّ مراحل نموّهم. كما يجب أن يؤمّن الأب كلّ الحاجيات الأساسية لأولاده. وإذا كانت العائلة تعاني من بعض المشكلات الإقتصادية، يجب أن يشرك الأهل الولد ويخبروه عن بعض هذه المشكلات ولكن بطريقة مدروسة وبسيطة جداً ومناسبة لعمره مع مراعاة عدم تحميله أكثر مما يستطيع تحمّله، إذ تدفعه معرفة هذه المشكلات إلى تحمّل المسؤولية.
ثالثاً، يمكن للأهل أن يسألوا ابنهم المراهق لماذا يستعمل السخرية في كلامه الموجَّه تجاههم، ويطلبوا منه بطريقة جدّية عدم تكرار سخريته لهم أو لأيّ أحد. فالجلوس معه والاستماع له بانتباه واهتمام يمكن أن يساعد في حلّ المشكلة. والأهم الإبتعاد عن العقاب والشتم وكلّ السلوكيات العدوانية، لأنّها لا تفيد في حلّ سخرية الأولاد من أهلهم.
د.انطوان الشرتوني
الجمهورية