سلام لكنيسة أبينا البكر مارمرقس كاروز الإسكندرية، ولأبينا بطرس خاتم الشهداء أصحاب بيعة الشهداء الذين تميرنت كنيستهم وتخضبت مدشنة بدماء غالية. نالوا بركات من سخاء الله وأثبتوا محبتهم لسيد جميع البشر. زينوا مدينة الإسكندرية بشهادتهم للإيمان المسيحي وجعلوها كالمدينة الإيمانية النموذجية أم المدائن العظمى من جديد. تخضبت الأعتاب والطرق والأعمدة والمداخل والحوائط بدمائكم أيها الشهداء، وجمعوا أجسادكم ممتزجة مختلطة متشابكة لا لشيء إلا لأنكم أتباع الطريق، ولا لشيء إلا لأنكم تعبدون الإله الحق من الإله الحق. صارت رُفاتكم للبركة وتجنيزكم ليتورجية سماوية، فَضَحَت إبليس المنجوس القتّال للناس منذ البدء، وقد أُودِعت أجسادكم مع قديسي الكنيسة .
كنيستكم بقيت شامخة وقد افتديتموها بالدماء والحياة. أتى إليكم أولاد المنجوس لا المجوس ومعهم المُر المفخخ. مُرّ الكراهية والبغضة التي بلا سبب، مُرّ العدمية والتقِيَّة، مُرّ الانتحار والدخان واللهيب والفناء. بينما من يشهد شجاعتكم وشجاعة شعبكم في توديعكم وتجنيزكم يعرف كم أنتم أقوياء صامدون وثابتون. ولم تنَل منكم همجية أبناء المعصية، وأن إخوتكم وشعب كنيستكم أقروا قانون الإيمان بحماسة وإصرار أمام رُفاتكم، وبحضور الكنيسة الجامعة بدير مارمينا العجائبي العامر، وجميعكم تدفعون هجمات إبليس المسعورة؛ واندفاعاته الشريرة تجاهكم.
أعضاؤكم لن تكون قابلة للموت أو للزوال؛ لأنكم رقدتم لقيامة أفضل فلا موت لكم؛ لكنه انتقال. وقد شاهدنا كيف كفنوكم وحملوكم بإكرام جزيل على الأكتاف، وكيف تسابق الشعب والكهنة لنوال بركتكم وتقبيلكم وطلب صلواتكم. إنكم لم تخافوا من الذين يقتلون الجسد، إنكم أحياء عند إله الأحياء، وقد لبستم الطبيعة الخالدة غير القابلة للعذاب والهلاك. وبإزاء هذا الاستشهاد الجماعي الذﻱ جمع فئات من كل الأعمار السنية، وبإزاء التفحُّم وتقطيع الأوصال والحرق والنزف والتفجير، وبإزاء الشماتة والسعار والافتراس كان من المستحيل أن ينزعوا مسيحكم، ولا كنز إيمانكم من قلوبكم، وأنتم أبناء كنيسة عامرة زاخرة غاية العجب.
صار رحيلكم عزيزًا جدًا في عيني الرب مع بداية العام وأنتم الساجدين العُزَّل الأبرياء. فنقلكم الله من التسبيحات وشبه السماويات إلى الأخدار السماوية عينها لتبدأوا لا سنة جديدة بل سماءًا وأرضًا جديدة، بالحق أنتم مختارون ومدعوون لهذه الشهادة، فالطوبى والغبطة لكم، وقد صارت أعضاؤكم أدوات لمعجزة باهرة جدًا أعظمها حفظ الإيمان وبقاؤه واستمراره وتسليمه وسط عصر استشهاد صعب وطويل الأمد مع اختلاف المُسمَّيات والأدوات.
إنّ شر المضطهِدين وتفخيخاتهم لن يُرعب كنيسة الله، بل ستبقى بحسب الوعد الإلهي. فما حدث وما يحدث هو تفجير لوطن بالكامل، هو جرائم خسيسة وجنون شيطاني، لكننا نثق أن الصوم والصلاة وحدهما هما اللذان يُخزيان الشياطين، لأن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم، ومسيحنا وعد بأنه سوف يكون حاضرًا وسط أﻱ ثلاثة أشخاص مجتمعين باسمه، فكم بالأولى صلوات الكنيسة التي ليست فقط مجتمعة بإسمه بل متألمة من أجله بآلام استشهاد ودماء ومظالم لا نهاية لها. ولن يستطيع أحد أن يكتم صراخ الشهداء الذين يطلبون من الله أن يقضي وينتقم لدمائهم البريئة، ولدموع وأنين الأرامل والأيتام الذين فقدوا أحباءهم، لا لسبب إلا لأنهم لا يدينون بما يدين به الآخرون، إن الله حقًا ينصف مختاريه الصارخين إليه ليلًا ونهارًا يسمع أنينهم وسيخلصهم. إن إلهنا لم يرصدنا للهلاك الأبدﻱ، بل جميع آلامنا الحاضرة تُزكِّينا كمطهَّرين من شر العالم.
فالصراع مع المضاد هو الذﻱ يُظهر الحق، وبقدر ما نحزن من أجل المنكسرﻱ الخاطر بقدر ما نصلي ونتدرب حتى لا يقوى علينا الشر بل نغلب الشر بالخير، كذلك أيضًا بقدر ما نتعزﻱ بالرجاء أن أحباءنا الذين قُتلوا أكملوا استشهادهم ومضوا ليَقبَلوا من ربهم وربنا ورب كل أحد إكليل استحقاقهم، وسيتعهد الله المرضى المصابين بالمراحم والرأفات وسيجازيهم عما فقدوه أضعافًا في ملكوته الأبدﻱ. بهذا الإيمان لا بُد أن نتواجه مع العالم الذﻱ نعيش فيه، والمنحصر الآن في المعركة الروحية الدائرة بين روح الله وأعدائه الروحيين من كل الأصناف والأشكال والأحجام والأسماء، كي تكون لنا شهادة حسنة، سلامية وقوية بآنٍ واحد؛ بالمعرفة وبالسلوك؛ الأمر الذﻱ يحتاج إلى تأصيل وتأسيس وإعداد مستمر لا يتوقف. فنثبت بعضنا بعضًا بالتشجيع لأن حربنا ليست مع دم ولحم لكن هي في حقيقتها مع أجناد الشر.
تحية لشهدائنا الذين خضَّبوا القوائم والأعتاب بالدماء في تلك البيعة الطاهرة التي أسسها سنة ١٩٧١ الطيب الذكر المتنيح القمص بيشوﻱ كامل ومعه الأنبا مينا أفا مينا وكيل بطريركية الإسكندرية، والتي دشنها المتنيح الأنبا مكسيموس مطران القليوبية القديس، وبدأت كورشة بلاط على يد راعيها الأول القمص مقار فوزﻱ أطال الله عمره، فأثمرت وأزهرت بالغيرة المقدسة والمحبة والكرازة الحية وامتلأت من قوة الخلاص الإلهي، وضمت الآن في خوارسها هؤلاء الشهداء الذين يترنمون بلحن اللاهوت (أين شوكتُكَ يا موت، أين غلبتُكِ يا هاوية) مبتهجين في مواضع الانتظار بسبب الرجاء الموضوع يصلون من أجل ما نحن فيه؛ لكي يكمل العبيد رفقاؤهم وإخوتهم جهادهم. منضمين إلى موكب الظافرين كأعضاء في جسد واحد، وعلى رؤوسهم أكاليل الابتهاج، مُحمَّلين بمجد المسيح وبمواهب وعطايا وكرامات سماوية، بعد أن تركوا الدخان واللهيب والحريق وفخاخ الظلام، فما أتفَهُ الزمن عندما نقيس به أعمال الروح.
أما نحن فلنكن عالمين أﻱ ثمن سندفعه نظير إيماننا كي نسلك برزانة وفطنة مرفوعي الرأس غير مرتاعين، وها كنيسة القديسين مثالنا، بعد أن صارت جزءً حيًّا من تاريخ وتراث مُسلَّم مع الإيمان عبر الدهور، جالسة على رابية الجلجثة ، تسجل على قلبها أسماء شهداء ليلة رأس السنة ٢٠١١، وتضع أمامهم هذا اليوم الفاخر الذﻱ اصطبغوا فيه بالمعمودية الثانية وعبروا، بعد أن تمخضت بهم الكنيسة وامتزجت دماؤهم بدماء شفعائها القديس بطرس وباباه الأول مرقس الرسول، لتثبيت أساسات البيعة التي أسسها الكاروز، ولتنمو بعد أن شربت المبكِّر والمؤخِّر. والله أبو كل أحد سمع وكتب أمامه سِفْر تذكرة.
القمص أثناسيوس چورچ.