وضع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ” نواب الأمة أمام واجبهم الوطني الخطير الذي يطالب ضميرهم المسؤول، أفرادا وكتلا، بأن ينتخبوا رئيسا للجمهورية في موعده الحاسم”.
احتفاء بالذكرى السنوية الثالثة لانتخاب البطريرك الراعي، وفي حضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان، اختتمت اعمال مؤتمر ” مذكرة بكركي – مشروع وطن ” الذي انعقد مدى يومين في فندق “هيلتون – الحبتور”. واقيم عشاء في المناسبة تقدمه الرئيس سليمان والبطريرك الراعي وحشد من الوزراء والنواب والمطارنة والشخصيات.
وألقى الوزير السابق فريد هيكل الخازن كلمة قال:” فخامة الرئيس على مسافة زمنية لا تتعدى الأيام العشرة، تقفون وأنتم على استعداد لمغادرة القصر الجمهوري بعد سنوات ست شهدت ما شهدته من صفحات في تاريخ الوطن، منها مراحل صعبة طويناها غير آسفين عليها، ومنها مشرقة طويناها متحسرين على انقضائها. ويبقى الأسف الأكبر خشيتنا كما خشية العديد من اللبنانيين أن نرى كرسي الرئاسة اللبنانية شاغراً حتى إشعار آخر، مما يضعنا في خانة الدول التي لا تستحق أن تحكم ذاتها بذاتها (…) لبنان في حاجة إلى رئيس جديد، لا من أجل الميثاقية فحسب، بل أيضا من اجل مواجهة تحديات كبرى ليس أقلها تحدي النازحين السوريين، والمحنة الإقتصادية والإجتماعية، وهجرة الشباب والأزمة الأمنية، فما نفع أن تبقى حكومة وأن يبقى نواب وأن يبقى رئيس إذا خسرنا لبنان؟”
الراعي
وقال البطريرك الراعي مخاطباً رئيس الجمهورية:” إن التزامنا الوطني المشترك والمتجدد يقتضي منا أن نضع نواب الأمة أمام واجبهم الوطني الخطير الذي يطالب ضميرهم المسؤول، أفرادا وكتلا، بحكم الميثاق الوطني والدستور، بأن ينتخبوا رئيسا للجمهورية في موعده الحاسم، رئيسا ينطلق من حيث بلغ فخامة الرئيس سليمان بالبلاد إلى مكانة محترمة في الأسرتين العربية والدولية، وقد لاقت منهما الدعم والتأييد. إننا نرفض بالمطلق الفراغ في سدة الرئاسة، لأنه يقصي المكون المسيحي عن السلطة الميثاقية ولو ليوم واحد، ويعطل الدستور. إننا نحمل المتسببين به نتائجه التاريخية الوخيمة. إنني، في هذا الالتزام، أستحضر هؤلاء الأسلاف الستة والسبعين من البطريرك الأول القديس يوحنا مارون إلى غبطة أبينا البطريرك مار نصرالله بطرس صفير. أستحضر أمانتهم وتضحياتهم، ثوابتهم ودفاعهم، صمودهم ومعاناتهم، نجاحاتهم وخيباتهم، تأييدهم ومخالفتهم، حبهم واضطهادهم، إيمانهم ورجاءهم ومحبتهم، وعدم تزعزعهم.
لقد قادوا المسيرة الطويلة التي بلغت هدفها مع البطريرك الكبير خادم الله الياس بطرس الحويك الذي ترأس الوفد اللبناني إلى مؤتمر السلام في فرساي سنة 1919 ونال من المجتمع الدولي إقرار دولة لبنان الكبير المستقل الذي تم إعلانه في أول أيلول 1920، واكتملت مكونات الدولة مع البطريرك انطون بطرس عريضة بالاستقلال الكامل وجلاء الجيوش الأجنبية، وتوجت في سنة 1943 بالميثاق الوطني في عهد المغفور لهما الشيخ بشاره الخوري رئيس الجمهورية، ورياض الصلح رئيس الحكومة. فكان، كما ردد أحد المفكرين اللبنانيين المسلمين، تقي الدين الصلح: “للمسلمين الفضل في استقلال لبنان عن العالم العربي، وللموارنة فضل الحفاظ على الحرية والديموقراطية”. أين نحن اليوم من جمال البدايات؟
ومنذ ذلك الحين والبطريركية المارونية تدعم الجمهورية اللبنانية في مسيرتها كيانا وشعبا ومؤسسات، وعلمتْ أبناءها الموارنة الولاء الكامل للبنان من دون أي بلد سواه”. واضاف الراعي: “تعاون بطاركتنا مع رجال قادة حققوا الآمال ووصلوا بلبنان إلى تكوينه وعزته وازدهاره، وإلى خصوصيته ونموذجيته ورسالته، في الأسرتين العربية والدولية. واليوم أمام واقعنا المتقهقر على كل صعيد، نتساءل مع أحد المفكرين وكتاب التاريخ: “هل انتهى عهد الكبار؟”.
هل نأمل في رجالات دولة كبار يدركون أن لبنان “الوطن النهائي لجميع أبنائه، الواحد أرضا وشعبا ومؤسسات”، كما نقرأ في أول سطر من مقدمة الدستور، يعني الضمانة لبقاء كيانه ورسالته، ولمصلحة شعبه ومصلحة العالم العربي، وحتى لمصلحة جوانب كثيرة من العالم الإسلامي، كما كتب المغفور له الإمام محمد مهدي شمس الدين في كتيبه “الوصايا”؟ هل من رجالات دولة كبار يؤمنون بأن لبنان “وطن حداثة الإنسان ورقيه”، كما قال سماحته؟ (…)
إن المؤتمر الأول الذي نظمته، بشكل راق ورفيع، “الهيئة المدنية لدعم مذكرة بكركي الوطنية” ونحن نحتفل الآن باختتامه، قد أغنى، مشكورا جدا، هذه المذكرة بمداخلات المحاضرين الكبار. فتوسعوا بمضامينها”.
النهار