كانوا نحو 25 فريقاً للمطاردة الصباحية، وآخرون للدوام الليلي. تنوعت مناوباتهم وفقا للمهمات. لم تكن طبعا “مهمات مستحيلة” تقضي بالمحافظة على أمن الدولة. كان شغلهم الشاغل ترهيب سمير قصير. تحريون، مخبرون… تعددت التسميات. لكن تصرفاتهم كانت واحدة.
تلك وقائع من مطاردة سمير قصير. نشرتها “النهار” في الايام الاولى لـ”ذهاب” الشهيد. وقائع نقلها يومها “حارسه” الدائم، سعيد مروّد، احد المرافقين السابقين للنائب وليد جنبلاط.
اليوم يطوي الشهيد اعوامه العشرة. وللمناسبة، يحيي “العالم” اللبناني والاوروبي ذكراه. ومعها، تعود الى الواجهة “جدلية” الحرية والصحافة التي “لونّتها” سفيرة الاتحاد الاوروبي انجلينا ايخهورست اخيرا باقوال لألبير كامو: “يمكن ان تكون الصحافة الحرة، من دون شك، جيدة او سيئة” قالت، “ولكن من دون الحرية لن تكون الا سيئة”.
أقوال كامو تستحضر شريط عناوين لمقالات كتبها الغائب الحاضر: “الخطأ بعد الخطأ”، “صدى الانتفاضة” ، “بعدما انسحبت سوريا”، “ليس الاحباط قدرا”، “الشخص في مسرحيته”، ” الى متظاهر سوري” و… “بيروت ربيع العرب”، فيما يغرق هذا الربيع بسلسلة “طلعات ونزلات” دامية، أهمها في سوريا، التي عوّل الراحل على “ورودها” يوم “تزهر” في لبنان طبعا.
في دمشق التي أحبّ، تحصل اليوم أكثر عمليات قتل الصحافيين في مناطق النزاعات. والعاصمة السورية التي كتب عنها باستمرار تبقى كما العام الماضي أخطر بلد على الصحافيين مع مقتل 15 فيها، وتليها الأراضي الفلسطينية، فالعراق وليبيا حيث قتل 3 صحافيين وسط الشارع خلال خمسة أشهر. في عواصم العالم العربي التي تفيض تطرّفاً تتنوع اليوم تدابير القمع. قطع للرؤوس والاجساد فالاوتار. أخذ للرهائن ومعها الارواح. صور جيمس فولي ما زالت تملأ الشاشات. مشاهد ستيفن سوتلوف المرعبة على كل لسان.
“نادرا ما ارتُكب القتل بحق الصحافيين بمثل هذا الاتقان الوحشي للدعاية”، كتبت منظمة “مراسلون بلا حدود” في تقريرها عن عام 2014، فيما يبقى هدف مرتكبي التجاوزات “منع الإعلام المستقل وردع النظرات الخارجية”، وسط تنوع وسائل الترهيب إلى حد تضاعف عدد الصحافيين الذين يختارون المنفى.
وعن الخطف حدث بلا حرج. ليبيا وسوريا فالعراق “تكسر” الارقام القياسية. هذا فيما تبحث بيروت عن مفقوديها والمخفيين قسرا منذ اعوام على وقع معارك “الكر والفر” في جوارها.
إنه الربيع العاشر لسمير قصير. والربيع العاشر “الموقوف” في بيروت. و”الربيع” الرابع المخطوف في دمشق على وقع البراميل والكيميائي والدمار. ماذا كان كتب سمير قصير لو بقي حياً؟ الجواب كتبته “النهار” في مقدمة كتيب عن “انتفاضة الاستقلال” كما رواها قصير. فيه، إن “الصحافي يتماهى بالمؤرخ. مؤرخ بيروت والحرب اللبنانية يقدم في مقالاته التي تجمع التماعة الذكاء الى وهج الالتزام نموذجا فريدا للمؤرخ والمعلق. لا يكتفي بالجلوس على حافة الزمن والتأمل فيه بل ينغمس في اللحظة الراهنة ويتحول رمزاً للانتفاضة واحد قادتها الميدانيين”.
النهار