من يسلك درب بكركي – حريصا هذه الايام لا بد من ان يلاحظ حركة ناشطة على جانبي الطريق. كيف لا؟ وايار “على الابواب”؟ الباعة المتجولون نصبوا خيمهم، عارضين ما لديهم من اطياب وورود وتذكارات دينية. ينتظرون شهر ايار من سنة الى اخرى، لجني بعض المال ويأملون في توافد عدد كبير من “الحجاج” للاسترزاق”. اما المؤمنون، فمنهم من استبق الشهر المريمي فانطلق باكرا في مسيرته الى مزار سيدة لبنان، مكتفيا بمسبحة وقنينة مياه مباركة.
رحلة الحج الى سيدة حريصا تقليد سنوي يجذب آلاف المؤمنين من كل حدب وصوب في الأول من ايار، يحجون سيرا على الاقدام صعودا الى مزار سيدة لبنان – حريصا، لينعموا ببركة مريم العذراء في شهرها، ملقين عند اقدامها آلامهم وآمالهم واثقالهم.
“منذ تدشين مشروع سيدة لبنان، بكنيسته ومزاره السنة 1908″، يقول رئيس مزار سيدة لبنان – حريصا الاب يونان عبيد لـ”النهار” بدأ الناس يتوافدون بكثرة، عاما تلو الآخر، الى المزار، فتحول من مزار ديني الى مزار وطني، وعلى مر السنوات الى مزار عالمي، يؤمه الزوار من كل انحاء العالم، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومشاريعهم. ومع ازدياد اعداد الحجاج، شيدت البازيليك لاقامة الصلوات فيها في المناسبات والاعياد وايام الآحاد، ووضع الحجر الاساس فيها السنة 1970. وتلبية لحاجات المؤمنين اليومية، من قداديس واعترافات… بنيت في ما بعد ثلاث كنائس، هي سيدة لورد، الغفران، بيت عنيا”.
“وما زال الاول من ايار حتى يومنا، معروفا ومحفورا في ذاكرة اللبنانيين وقلوبهم، كبارا وصغارا” يضيف الاب عبيد، “فهؤلاء، يتوافدون الى المزار منذ ليل 31 نيسان حتى الاول من ايار. قلة منهم، لا تتعدى الـ 2%، تأتي للسياحة وشم الهواء”، اما الاغلبية فللصلاة، كونها “الديانة المسيحية خصت العذراء مريم بشهرين، الاول في ايار شهر الورد والجمال”، يوضح الاب يونان، وقد “اعطي لمريم العذراء كونها ملكة تتوج بالورود وتكرم بصلاة الوردية. والكنيسة كرست لها الشهر، عبر الاجيال.
اما الشهر الثاني المخصص لمريم فهو تشرين الثاني، شهر الوردية. صحيح ان نسبة زوار المعبد اقل مقارنة بأيار، لكن هذا لا يمنع الجمعيات والاخويات والرعايا والاكليريكيات وتلامذة المدارس من زيارة امهم مريم في شهرها”.
استنفار
عن الاستعدادات لاستقبال المؤمنين، يشدد الاب عبيد على ان “ما يهم الكهنة في مزار سيدة لبنان هو الفائدة الروحية للمؤمنين، الذين يأتون بشكل خاص للاعتراف والمشاركة في القداس، اضافة الى صلاة المسبحة والزياح اليومي. فالكهنة التسعة كلهم في حال استنفار للوعظ والارشاد واستقبال الجماعات والجمعيات والمدارس والاخويات والمنظمات والحركات الشبابية… مع جهوزية تامة لتلبية حاجاتهم الروحية. فان لم يرافق تلك الجماعات كاهن، فكهنتنا ملزمون بمرافقتهم”. ويستطرد عبيد: “هناك مسيرات اسبوعية تشارك فيها الجاليات المسيحية الاجنبية طيلة شهر ايار ومسيرة درب السما. ومسيرة اخرى تنظمها اذاعة صوت المحبة في ختام الشهر المريمي”.
يشار الى “تقليد في المزار يعود الى العام 1956، يقوم على الاحتفال، في الاحد الاول من ايار، بعيد سيدة لبنان، اذ يترأس البطريرك الماروني الذبيحة الالهية في المناسبة، في حضور رئيس الجمهورية وشخصيات رسمية”، وفق عبيد. غير ان الاحتفال في ايامنا هذه يلفت عبيد، انه بات مقتصرا على غبطة البطريرك وبعض الشخصيات الرسمية، اما الاحد الاخير المريمي فيحتفل به السفير البابوي”.
بموازاة الاستنفار الروحي، يسجل استنفار على الصعيد الامني، فالجيش اللبناني، ولسنوات خلت، يؤمن الحماية للمؤمنين، مدققا في هويات الوافدين وسياراتهم، لعلمه ان عواصف الفكر التكفيري لا تزال تجتاح عقولا غرر بها باسم الدين فأباحت لنفسها تكفير الآخر وقتله بلا رحمة، وتدنيس المقدسات وتشويه صورة مريم العذراء.
تراجع الزوار العرب
بأسف، يعزو الاب يونان التراجع في نسبة الجماهير الوافدة الى سيدة لبنان، الى الحرب المندلعة منذ سنوات في سوريا.
فقبل الازمة وصل عدد الزائرين السوريين الى المزار في شهر ايار الى نحو 30 الف زائر، معظمهم من المسيحيين. اما السنة الماضية “فلاحظنا انخفاضا بنسبة راوحت ما بين 20 و30%. وقد اثرت الحوادث الامنية المتنقلة في لبنان، في خفض نسبة الزوار، من اردنيين ومصريين وايرانيين وقبارصة، وحتى لبنانيين”.
تانيا اسطفان / النهار