بقلم د. ايلي مخول
في الذكرى المئوية الثانية لفك رموز الهيروغليفية، يستذكر هذا الشريط ما يدين به علم الأثريات المصرية لكل من جان فرانسوا… وجاك جوزيف.
هرع جان فرانسوا شامبوليون إلى منزل أخيه في 14 ايلول 1822، وهتف بصرخة النصر: “أعتبرالقضية حاصلة! »! ففي عمر 31 عامًا، فهم العالِم كيفية عمل الخط الهيروغليفي لدى المصريين القدماء، الذي ضاعت قواعده منذ ألف وخمسمائة عام. من بَعد أصبح ممكنا تحليل الإشارات على المعابد، لمعرفة أسماء الفراعنة الذين بنوا الأهرامات؛ باختصار، فتح أبواب المعرفة لحضارة رائعة وغير معروفة.
من خلال تتبع مغامرة فك الرموز، يسلط هذا الوثائقي الجديد الضوء على ما يتحلّى به الشاب من عناد، ومعرفته المتعمقة باللغات القديمة والشرقية (الفارسية، العبرية، السريانية، الكلدانية، العربية)، وجمعه الدؤوب للنصوص والنقوش. لكنه يؤكد أيضًا، بذكاء خارق، على أهمية شامبوليون “الآخر”، ذلك الأخ المحبوب الذي لولاه لما تمكن جان فرانسوا من الخروج إلى النور أبدًا. لأنه، كما تلخص عالمة المصريات كارين مادريغال، ” يخطو الخطوة الأخيرة بمفرده. لكن المسيرة تتم بمشاركة الإثنين”.
تبادل جان فرانسوا (1790-1832) وجاك جوزيف (1778-1867)، الذي يكبره باثني عشر عامًا، حوالي 700 رسالة. من هذا المخزون تنبثق حقيقة واضحة: على المستوى العلمي، كان الثاني هو المحرك، حلاّل المشاكل ومسهّل أعمال الأول. وعلى المستوى الإنساني، دعم بَدهي، حازم، مُحِب وثابت… حتى عندما فرّقهما الموت. الأكبر سنًّا هو في المقام الأول مربٍّ. مربٍّ متطلب عيّن الإتجاه عندما غادر أخوه مسقط رأسه فيجاك، وهو في الحادية عشرة من عمره، وانضم إليه في غرونوبل. بالنسبة له، هو يريد الأفضل.
مهَّد الطريق
كان مولعًا بالتاريخ والكتب، ولا شك أنه أحس بمواهب هذا الطفل الذي لم يُحب المدرسة، لكنه كان قادرًا على تجاوز حدود طاقته فيما يخص مواده المفضلة، ألا وهي اللغات الشرقية. كان الصبيّ بالكاد مراهقا عندما استخبر جاك جوزيف عن حالة الأبحاث في فك رموز اللغة الهيروغليفية… باختصار، إنه يمهد الطريق! وعندما قرر جان فرانسوا في نهاية الأمر الشروع في السباق، قاما برسم خطة لإنجاح مشروع مشترك، رغم أن جاك جوزيف لم يكن يتمتع بمهارات أخيه الأصغر الفكرية ، إلاّ أنه ساعده على التقدم بسرعة أكبر، من خلال التحقق من فرضياته.
في عام 1809، عندما تعرف جان فرانسوا بصورة قاطعة إلى كاهن يتحدث اللغة القبطية، كان ذلك أيضا بناءً على نصائح فطِنة من سنَده. ذلك أن تعلّم هذه اللغة الميتة سيوفر له رصيدًا قيمًا عندما يتعلق الأمر بدراسة حجر رشيد. وميزة حاسمة على العديد من منافسيه الأوروبيين. بتفنيد الأمثلة التي توضح التعاون الوثيق بين الأخوين، يقدم لنا فيلم جاك بْلِيزان الدليل الساطع على المآزق والشكوك والتحديات الهائلة التي كان عليهما مواجهتها. إن يوم 14 أيلول 1822، الذي أثّر في نفوس الأجيال اللاّحقة باعتباره نهاية المطاف، لم يكن سوى نقطة البداية لمعارك ضارية أخرى. في ذلك الوقت، لم نكن قدما فكّاك الرموز قد وطأتا أرض الفراعنة بعد، وعلى عكس ما كان يأمل، فإن مغامرته لا تفتح له أي أبواب: فهو لا يملك التمويل اللازم للقيام بالرحلة. وبفضل جاك جوزيف، الذي لم يترك وسيلة إلاّ لجأ إليها، تمكن أخيرًا، بعد خمس سنوات من اكتشافه، من مواجهتها على الأرض.
من فك رموز الهيروغليفية إلى إنشاء قسم الآثار المصرية القديمة في متحف اللوفر، فإن إرث الرجل الذي كان أمينه الأول هائل. لكن في وقت الاحتفالات، من المستحيل إهمال ما يدين به جان فرانسوا لأخيه الأكبر. من المؤكد أن العبقرية هي التي ولّدت علم المصريات، لكن هذا العلم كان لا يزال في مهده عندما توفي عن عمر يناهز 41 عامًا فقط. ومنذ ذلك الحين، تولى جاك جوزيف بمفرده مهمة أساسية: إكمال عمل أخيه ونشره والدفاع عن ذكراه. وإذا كان لقب شامبوليون مرتبطًا بأحد أعظم الاكتشافات البشرية والعلمية، فإن هناك إذن اسمان شخصيان (مركّبان) يجب إقرانهما به.