«الإعلام المصري يتاجر بنا» جملة كتبت على لافتة حملها شاب مصري غاضب أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، بعد التفجير الذي وقع صباح أمس الأول الأحد 11 كانون الأول داخل الكنيسة البطرسية بالقاهرة، وخلف عشرات الضحايا ما بين قتلى وجرحى. الغضب من الإعلام تمثل أيضًا في طرد مذيعين ومذيعات ومنع قنوات من التغطية.
جاءت تغطية الإعلام المصري لتفجير الكنيسة المرقسية باهتة، حديث عاطفي عن «كلنا يد واحدة في مواجهة الإرهاب» من دون الإشارة لأي محاور تتعلق بالتقصير الأمني. أثناء البث المباشر للتظاهرات الغاضبة في محيط الكاتدرائية ألغت كل الفضائيات المصرية الصوت لأن بعض الهتافات رفعت ضد الرئيس المصري ووزير الداخلية. بدت التغطية غير كاملة، فتناولت كل القنوات المصرية أخبارًا عن زيارة وزير الداخلية ورئيس الوزراء لمكان التفجير، لكنها لم تكمل بأن مصريين غاضبين منعوا دخولهما الكنيسة وهتفوا ضدهما واتهموهما بالتقصير في حمايتهم. كما تم اختيار ضيوف معروفين بوجهة نظرهم وحديثهم الدائم عن «المؤامرة» و «يحيا الهلال مع الصليب». في المقابل لم تظهر أصوات مسيحية تناقش مشاكل مسيحيي مصر بشكل حقيقي بعيدا عن التجميل.
«ثورة يناير كانت كاشفة لحقيقة الإعلام المصري» هكذا تقول رباب متري شابة مصرية مسيحية مهتمة بالشأن القبطي، وتضيف للسفير: «وسائل إعلام عدة لها مصالح مباشرة مع النظام السياسي لانها مملوكة من رجال أعمال، وكل تغطياتها الإعلامية موجهة لخدمة أهداف سياسية بحتة، وقضية اضطهاد المصريين المسيحيين أكبر لعبة تجارية سياسية في السنوات الأخيرة، فدائما ما تتم استضافة شخصيات مسيحية عاشقة للشهرة ومدعومة من النظام لخدمة سياسات على حساب المسيحيين ومشاكلهم. لم أعد أثق في الإعلام المصري الذي يخدم الأجندة السياسية للدولة».
كان الإعلامي عمرو أديب مقدم برنامج «كل يوم» الذي تبثه فضائية On E المصرية أول من يصل الى مقر الانفجار، كانت أعداد المتجمعين لا تزال قليلة، ربما لهذا السبب لم يواجه أديب مضايقات تذكر، لكن بعض الشباب قالوا له قبل أن يبدأ التصوير داخل الكنيسة هل ستوصل رسالتنا بصدق؟ هل ستنقل صوتنا بدون تزييف؟ تلك الأسئلة بينت ان الثقة متزعزعة بالإعلام المصري. اختلف الأمر تمامًا بعد أن زاد عدد المتظاهرين أمام الكاتدرائية، وبدأ الغضب من وجود اعلاميين يتخذ أشكالا أخرى أكثر عنفًا.
الصحافي والمذيع المصري المثير للجدل أحمد موسى كان أول من طرد من محيط الكاتدرائية، صرخ مصريون غاضبون في وجهه «ارحل» وحاول البعض أن يشتبك معه، كما تم طرد طاقم برنامجه «على مسؤوليتي» الذي تعرضه فضائية «صدى البلد» ويعتبره مراقبون إعلاميون غير مهني ولا يتوقف عن النفاق لمصلحة النظام الحاكم. رفض موسى في اتصال مع «السفير» التعليق على ما تعرض له، ويبدو أن الرسالة من طرده لم تصل، فوصف على الهواء في حلقة مساء الأحد من برنامجه من طردوه بأنهم «أوباش وغير مصريين ودخلاء على الكنيسة وكانوا يهتفون ضد الدولة».
المذيعة المثيرة للجدل ريهام سعيد لم يكن مرحبا بها، ذهبت سعيد مع طاقم برنامجها «صبايا الخير» الذي تعرضه فضائية «النهار» لتوثق شهادات المتواجدين عند الكاتدرائية، لكن هتاف ارحل الذي سبق وسمعه زميلها موسى سمعته هي أيضًا لكن بغضب أكبر وصل الى حد محاولة بعض الشباب الاعتداء عليها بالضرب. حاول طاقم برنامجها حمايتها، والمدهش أن المذيعة التي سبق وأوقفت القناة برنامجها بعد خرقها لميثاق الشرف الصحافي رفضت الاعتـــراف بما حدث لها، وقالت خلال مداخــلة هاتفية في برنامج «على هـــوى مصر» الذي تبثه «النهار» أن التجمهر حولها كان بســبب أن البعض يريد أن يقدم لها شكاوى لتــعرضها في برنــامجها!
لميس الحديدي مقدمة برنامج «هنا العاصمة» الذي تبثه فضائية «سي بي سي» واجهت مصير زمليها موسى وسعيد نفسه، واعتدى عليها مشاركون في الوقفة، ومنعوها وطاقمها من التصوير، وعبر برنامجها علقت الحديدي بأنها غير نادمة على الذهاب للكنيسة لانها كانت تؤدي واجبها كإعلامية وكمواطنة مصرية على حد تعبيرها.
على وسائل التواصل الاجتماعي أثارت الفيديوهات التي توثق طرد الإعلاميين موجة من الجدل، رفض بعض المستخدمين «الهمجية ومنع اعلاميين من أداء عملهم» ووصف البعض أن «من يقوم بضرب سيدة ليس رجلا ولا يختلف عن اي متطرف»، لكن آخرين اعتبروا أن «هذا غضب من الإعلام كله. هؤلاء رموز لإعلام غير مهني ينافق السلطة ولا ينقل صوت الناس» على حد تعبير مستخدم مصري.
في عام 2011 وبعد ثورة يناير، خرجت تظاهرة من منطقة شبرا بالقاهرة باتجاه مبنى الإذاعة والتلفزيون المعروف «ماسبيرو» في ما عرف بأحداث ماسبيرو. وقتها حرَّض الإعلام المصري ضد المتظاهرين المسيحيين وقالت مذيعة مصرية على الهواء إن «الأقباط يعتدون على الجيش» وقتل في هذه الأحداث العديد من المسيحيين. منذ ذلك الحين حدث شرخ بين المصريين المسيحيين وبين وسائل الإعلام، وتنامى إحساس بأن القنوات لا تقدم قضيتهم بشكل موضوعي. فهل تفهم وسائل الإعلام رسالة المتظاهرين الغاضبين يوم الأحد الماضي؟
مصطفى فتحي
السفير