كتب عقل العويط في النهر بتاريخ 22 شباط 2022
تشغيل العقل (في لبنان) ليس عيبًا بل فضيلة. بل واجب. بل مسؤوليّة. بل ضرورة. فكيف إذا كان هذا التشغيل (للدماغ) واجب الوجود لأنّه مرتبطٌ بالمصير؟
يؤسفني أنْ أكتب بهذا الأسلوب، وأنا أتأمّل مآل الخطّ 29 من حدودنا البحريّة، وهو يُلاك بين أنياب المصالح والصفقات المحلّيّة (يا للعار!) والإقليميّة والدوليّة. يؤسفني أيضًا أنْ أستخدم هذه اللغة، وأنا أتأمّل أحوال لبنان وهو يتلوّى على إيقاعٍ ماكرٍ ومدوزنٍ – بعناية وتؤدة ودقّة – بين المسيّرات (الممانِعة) والطائرات العدوّة التي كادت تلامس سطوح الأبنية، بل كادت تفجّم – يا ليت – العقول والأدمغة غير الشغّالة.
أتوقّف عند هذين المثلَين الخطيرين جدًّا، وسواهما كثيرٌ ومعيبٌ ومخجِلٌ للكرامة والعقل الرشيد، لأسأل عن أحوال انتخاباتنا النيابيّة التي تتلوّى هي أيضًا على نيران الاحتمالات المتناقضة، بين لزوم إجرائها في موعدها الدستوريّ وإمكانات تفخيخها وتفجيمها وأيضًا تأجيلها – إلغائها – تفجيرها بإحدى الوسائل (غير المشروعة).
أريد أنْ أسأل أصحاب العقول والأدمغة الذين يريدون – صادقين – أنْ يكون الاستحقاق الانتخابيّ منصّةً موضوعيّةً لإنهاء عهد الطغمة المتسلّطة والكابوس الحاكم (بقيادة تحالف الفساد والسلاح غير الشرعيّ)، ولإحداث التغيير المنشود: كيف ستقلبون هذه الطاولة، إذا كنتم لا ترون الأرقام والوقائع والمعطيات والمؤشّرات (أو تستخفّون بها أو تتعامون عنها) التي تؤكّد جميعها استحالة تحقيق هذا التغيير، ما لم يتآلف منطق (ولوائح) قوى الحرّيّة والتغيير والثورة والسيادة والشرف مع منطق (ولوائح) الواقعيّة السياسيّة والانتخابيّة، حيث يجب، وحيث يمكن، تغليب هذا التآلف؟ خبِّروني بالقلم والورقة وبلوائح الشطب، بيتًا بيتًا وعائلةً عائلةً وحيًّا حيًّا وقريةً قريةً ومدينةً مدينةً – لا بالإحصاءات العسليّة والورديّة والفضفاضة والواهمة والموهومة والخادعة والمدسوسة (والمفخّخة) – كيف ستقلبون هذه الطاولة؟ اسمحوا لي بأنْ “أستفزّكم” بهدوء العقل والتعقّل والحكمة والتبصّر والرويّة، وببرودة الأرقام والمعطيات وموضوعيّتها (على الأرض)، وليس فقط بالاعتماد على “الحالة” و”الموجة”، حالة 17 تشرين وتفجير بيروت، وموجة الغضب الممزوجة بويلات الجوع والفقر والذلّ وإلى آخره. لا أطلب من أحدٍ – حاشا – أنْ يتنازل عن مبادئه، ولا عن الأخلاق، ولا عن المعايير، ولا أنْ يُعَوّم تقليديّين (و/أو فاسدين من أحزابٍ وقوى وشخصيّات)، ولا خصوصًا أنْ يتنكّر للدماء. أطلب فقط تشغيل العقل العملانيّ، الانتخابيّ – البراغماتيّ، بالتوازي مع مقدّس الأخلاقيّات، من أجل كسر هذه الطغمة، وإلحاق الهزيمة بها، وتشليحها الأكثريّة، وتمريغ أرقامها الانتخابيّة بتراب العار، حيث يجب، وحيث يمكن. وفي كلّ مكان.
هذه انتخابات – إذا جرت – لا تُدار إلّا بعمليّاتٍ (وماكينات) تنظيميّةٍ – تحتيّةٍ – بنيويّةٍ – ميدانيّةٍ. كم تغريني – شخصيًّا – المواقف والقرارات المبدئيّة والبطوليّة التي، أحيانًا، لا يهمّها أنْ تأخذ في الاعتبار ما يجري على الأرض (أرض الانتخابات مثلًا)، ولا النتائج. أنا أحترم وأجلّ مَن “تستولي” عليه هذه الاقتناعات.
لو تعرفون كم – شخصيًّا – أحتقر البراغماتيّة. فقط، لو تعرفون! لو كانت المسألة “شخصيّة”، لما فعلتُ سوى ما أنا منذورٌ إليه (أخلاقيًّا وانسانيًّا ووطنيًّا وشعريًّا). لكنّها غير شخصيّة. إنّها مسألة طغمةٍ جائرة، ومسألة أكثريّةٍ حاكمة، ومسألة وطنٍ في المهبّ الخطير، وهي مسألةُ وجودٍ وبقاءٍ ومصير.
حيث تقتضي المصلحة الوجوديّة الوطنيّة تمكين التآلف (المشار إليه آنفًا) من إحراز الربح على تحالف الفساد – السلاح، يجب توقير هذه المصلحة وتمكين هذا التآلف. وحيث تقتضي المصلحة – الوجوديّة (حياة أو موت) – لقوى التغيير، خوض الانتخابات بلوائح نقيّة، يجب عدم التردّد لحظةً واحدةً.
إنّها مسألة وعي المصير. شغِّلوا عقولكم!