أجرت صحيفة “الاتحاد” الإماراتية مقابلة حصرية مع البابا فرنسيس سلط فيها الضوء على أهمية وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها في أبو ظبي مع إمام الأزهر في العام ٢٠١٩، وأشاد بمبادرة “البيت الإبراهيمي” قائلا إنها تشهد على أن الإيمان يجب أن يغذي مشاعر الخير والحوار والاحترام والسلام.
عبر الحبر الأعظم في المقابلة عن تقديره العميق لدولة الإمارات العربية المتحدة، ودورها في نشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش بالمنطقة والعالم، معتبراً أن عظمة أي بلد في العالم لا تقاس بالثروة فحسب، بل بدوره الملموس في نشر قيم السلام والأخوة والتعايش والدفاع عن هذه القيم. ولفت فرنسيس إلى أنه يقدر الجهود التي يبذلها رئيس الإمارات لصالح السلام والتسامح، مؤكدا “أن الاستثمار في الثقافة يعزّز انحسارَ الحقد ويسهم في نمو الحضارة والازدهار”.هذا وأضاف البابا أنه يقدر كثيراً التزام الرئيس الإماراتي في “مكافحة الأمراض في جميع أنحاء العالم، ونشر مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية من خلال مبادرات ملموسة تهدف إلى تحسين حياة المحرومين والمرضى”. وأضاف البابا قائلا: “إنني ممتن لسموه ولالتزام الإمارات بتحويل تعاليم الوثيقة إلى أعمال ملموسة، فالخير يجب أن يكون عالمياً، لأن الأخوة عالمية بطبيعتها”.لم تخل كلمات البابا من الحديث عن أهمية وثيقة الأخوة الإنسانية التي هي بمثابة “خارطة طريق”، وأثنى على مشروع البيت الإبراهيمي وعلى شجاعة الإمارات في تنفيذ هذا المشروع المهم تأكيداً لأهمية التعايش وثقافة الحوار والأخوة. واستذكر الحبر الأعظم زيارته التاريخية لأبو ظبي، بالقول: “أتذكر بفرح وامتنان كبيرين رحلتي إلى الإمارات العربية المتحدة عام 2019 والترحيب الحار الذي تلقيته. لقد تأثرتُ بشدة بالكرم والود الذي منحني إياه بلدكم العزيز”، وأشاد بمساعي الرئيس الهادفة إلى “بناء المستقبل وتشكيل هوية مفتوحة، قادرة على التغلب على إغراء الانغلاق على الذات والتصلب وفي دعم الجهود الدولية من أجل السلام والتسامح”.فيما يتعلق بوثيقة الأخوة الإنسانية قال البابا فرنسيس: “إني أقدّمها إلى جميع الوفود التي استقبلها في الفاتيكان، لأنني أعتقد أنها نص مهم، ليس فقط للحوار بين الأديان، ولكن للتعايش السلمي بين جميع البشر”. وأضاف: “يسرني جداً تقبل المجتمع العالمي وفهمه لرسالة الوثيقة وأهدافها بوصفها دليلاً للأجيال المقبلة، واعترافاً بأننا جميعاً أعضاء في أسرة بشرية واحدة. كما أن الوثيقة “هي نور يرشد الجميع، وخارطة طريق لأي شخص يختار بشجاعة أن يكون صانع سلام في عالمنا الممزق من الحرب والعنف والكراهية والإرهاب، فالأخوة الإنسانية هي الترياق الذي يحتاجه العالم للشفاء من سم هذه الجروح”.وتعليقاً على واقعة إحراق صفحات من المصحف في السويد أكد البابا: “أن السماح بهذا الأمر مرفوض ومدان”، معتبراً أنه لا ينبغي استغلال حرية التعبير كذريعة للإساءة للآخرين. وأضاف: “مهمتنا تحويل الحس الديني إلى تعاون وأخوة وأعمال ملموسة للخير … إنّنا بحاجة اليوم إلى بناة سلام، لا إلى صنّاع أسلحة، بحاجة إلى بناة سلام، لا إلى محرّضين على الصراعات، بحاجة إلى رجال إطفاء، لا إلى مُشعِلي النيران، بحاجة إلى الدعاة إلى المصالحة، لا إلى المهدّدين بالدمار. فإما أن نبني المستقبل معاً، وإما أنه لن يكون هناك مستقبل”. واعتبر قداسته أن مستقبل التعاون بين الأديان يقوم على أساس مبدأ المعاملة بالمثل واحترام الآخر والحقيقة.في سياق حديثه عن مبادرة “البيت الإبراهيمي”، قال البابا فرنسيس إنه يعتبره مكاناً لاحترام التنوع الذي أراده الله ورسالةً تشهد على أن الإيمان يجب أن يغذي مشاعر الخير والحوار والاحترام والسلام وليس مشاعر العنف أو التصادم أو الصراع أو الحرب. وأعرب فرنسيس عن شكره لكل من عمل لجعل هذا المشروع حقيقة واقعة، وعن ثقته في أن هذا المكان سيصبح نموذجاً ومركزاً للحوار الديني وللتعايش بين الأديان.في ختام حديثه الصحفي شاء البابا أن يتوجه إلى الشباب وقال لهم: “كونوا بناةً للسلام، وليس صُناعاً للموت أو العنف” متمنياً أن “يجدوا في الإيمان بالله المصدر والقوة ليصيروا أفضل، وأن يجعلوا العالم مكاناً أفضل”، آملا أن يكون “الدين عاملاً من عوامل السلام والتعايش والأخوة، وليس أبداً من عوامل التصادم والكراهية والعنف”. وفيما يتعلق بمؤتمر الأطراف حول المناخ كوب 28 المرتقب انعقاده في الإمارات الخريف المقبل، رأى البابا أنه يشكل نداءً عاجلاً لتقديم إجابات على الأزمة البيئية، وصرخة الأرض، معرباً عن أمله في أن تنجح جهود الدولة لصالح كوكبنا الذي هو “بيتنا المشترك”، داعياً إلى إيجاد حلول واقعية للمشاكل الحقيقية لأزمات المناخ قبل فوات الأوان. |