أقيمت في دير سيدة البلمند البطريركي الصلاة المشتركة التي دعت إليها بطريركيتا أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس وللسريان الأرثوذكس لمرور ثلاثة أعوام على اختطاف مطراني حلب بولس يازجي ويوحنا ابراهيم، في حضور البطاركة الأنطاكيون، يوحنا العاشر (الروم الأرثوذكس)، أفرام الثاني كريم (السريان الأرثوذكس)، غريغوريوس الثالث لحام (الروم الكاثوليك)، يوسف الثالث يونان (السريان الكاثوليك) السفير البابوي المونسينيور غابرييال كاتشا ومطارنة ممثلون عن الكنائس الأخرى ولفيف الأساقفة والكهنة، اضافة الى حضور رسمي وشعبي.
وفي نهاية الصلاة تلي البيان المشترك الصادر عن البطريركيتين وجاء فيه:
“في مثل هذا اليوم ومنذ ثلاث سنوات اختطف مطرانا حلب يوحنا ابراهيم وبولس يازجي في جوار حلب. اختطفا وهما العائدان من مهمة إنسانية للتوسط من أجل آخرين. ومن حينه إلى هذه الساعة لم ترشح أية معلومة رسمية عنهما لا من حكومات ولا من منظمات. لا من قوى كبرى ولا من قوى صغرى. ومنذ ثلاث سنوات وملفهما يختزل ويرسم صورة صغرى لمعاناة كثيرين من الإرهاب والقتل والخطف والتهجير والتكفير والتفجيرات الآثمة، وكل ذلك تحت مسميات وشعارات، لم توفر دموع أمهات بكوا في سوريا وفي كل العالم وقلوب كثيرين ذابوا صلاة من أجل وضع حد لهذه المأساة التي ابتدأت منذ أكثر من خمس سنوات تحت مسمى لا يمت بصلة إلى معناه.
ونحن اليوم إذ نضع أمام الرأي العام وأمام أعين الجميع هذه المأساة يهمنا أن نؤكد على ثوابت ومبادئ قلناها ونقولها ونتشارك بها مع كثيرين.
إذا كان المقصود من خطفهما ترهيبنا كمسيحيين، فنحن أحفاد أولئك الذين لبسوا اسم المسيح في هذه الأرض لا في غيرها وذلك من ألفي عام. نحن لسنا جبابرة وليس وراءنا من جبابرة. نحن من هذه الأرض نعجن خبزنا ومن قوة انتمائنا إليها نحتفظ بهويتنا الأنطاكية المشرقية مهما مرت صعاب وعبرت محن. نحن لم نوفر ولن نوفر بابا إلا ونطرقه، لكن رجاءنا الأول والأخير هو بالله وقوتنا الأولى والأخيرة نستمدها من شكيمة أهلنا ومن رسوخهم ومحبتهم لكنيستهم ولأرضهم. نحن باقون في هذا الشرق وسنقرع فيه أجراسنا وسنرفع فيه كنائسنا وصلباننا. واليد التي ستمتد إلى هذه الصلبان أو إلى تلك الأجراس سيلويها إخوتنا المسلمون من كل الأطياف، مسلمو الشام، أهل الاعتدال، الذين يقاسون مثلنا مرارة إرهاب أعمى وتكفير مدان دخيل على ماضي وحاضر علاقتنا المسيحية الإسلامية. سيلويها تاريخ أخوة عشناه ونعيشه مع كل الأطياف. لقد كسرت صلباننا وهجر أهلنا وتقطعت أوصال بلادنا وأحرقت كنائسنا ومساجدنا وحرمنا فلذات أكبادنا من أحباء قضوا شهادة للحق في دنيا الباطل، إلا أن كل هذا، رغم هوله وفداحته، نرميه أمام جلجلة ربنا يسوع المسيح. وكل عتمات هذا الدهر نطمرها في نور عيني العذراء البتول، المكرمة عند المسيحيين والمسلمين، والتي نسألها رد المخطوفين ومنهم أخوانا مطرانا حلب مع الآباء الكهنة.
نحن باقون في هذه الأرض ولن ندخر وسيلة للدفاع عنها وعن وجودنا فيها. لم نكن أقلية ولن نكون أقلية. والأجدر بمن يرق قلبه “للأقليات” ومن يفتح ذراعيه لاستقبال السوريين بكل الأطياف أن يسعى وبكامل قوته لحل يوفر عليه مسؤولية وعبئا اقتصاديا جديدا ويوفر عليهم مشاق السفر واللجوء وأخطار البحر. نحن نقدر كل جهد إغاثي لحكومة أو منظمة خارجية ولكن ونقولها صراحة. نحن لا نحمى بالتهجير. ولسنا رواد حماية بل طالبي سلام. والسلام لا يتجزأ إلى أقليات وأكثريات بل هو سلام أوطان قامت وتقوم على العيش المشترك والمواطنة والخطاب الديني المعتدل. والسلام لا يأتي بالحصار الاقتصادي الخارجي الخانق ولا بالمحاصرة بلقمة العيش ولا بالعقوبات الاقتصادية الخارجية التي لا تؤذي إلا الطفل المشرد والإنسان الفقير الذي يتباكى عليه كثيرون وهو الذي أمسى سلعة رخيصة في سوق السلاح والمصالح.
وللأسرة الدولية نقول ما سبق وقلناه: نحن ممتنون لكل مشاعر تآخ ووقفة استنكار وإدانة. إلا أننا وبعد كل هذه السنين الثلاث نحمل الجميع مسؤولية التغاضي عن هذا الخطف المدان ومسؤولية التكتم المطبق عن هذا الملف ونهيب بالجميع استبدال لغة الاستنكارات والوعود بالعمل الجاد والفعل المترجم لحسن النية.
ونحن هنا نجدد الدعوة لإطلاق أخوينا المطرانين ونهيب بدول القرار وبمن له “سلطان الحل والربط” سياسيا وضع حد لهذه المأساة الإنسانية التي تختزل ولا تفي بوصف كامل لعظم مأساة الشعب السوري. ونثمن ونقدر كل جهد محليا كان أو دوليا للتلاقي والحوار. إذ هو الكفيل بإرساء السلام في ربوع سوريا والمشرق والعالم.
وإذ نرفع صلاتنا من أجل السلام في سوريا والمشرق والعالم كله، نبعث بالتحية إلى حلب الشهباء وإلى الأهل والرعية في حلب. نبعث بالتحية إلى الأهل المعجونين بالرجاء. إلى القلوب الدافئة التي عشقت يوحنا ابراهيم وبولس يازجي. نبعث بالتحية إلى أبنائنا في الوطن وبلاد الانتشار، إلى الذين يجمعهم عشق الوطن وحب الأرض الأولى. نبعث بالسلام إلى الأنطاكيين جميعا المتحدين صلاة وتضرعا ووقفة في كل أصقاع الأرض.
وإذ نخطو باتجاه عيد الفصح المجيد، عيد القيامة. نصلي ونضرع إلى سيد القيامة، ربنا يسوع المسيح، أن يزيح ثقل الحجر عن هذا الشرق وأن يغرس فيه نور قيامته. نصلي إلى الرب القدوس أن يضع يده على قلب كل أم وأب وأخ وصديق كوته نار هذه الأزمة وأن يعزي القلوب برجاء القيامة. نصلي إلى المصلوب الذي سحق بقوته قوة الموت ودفن برمسه هدير الشرور وشدد قلوب تلاميذه أن يضع تعزيته في قلوب أبنائنا ويعيد السلام إلى أرض السلام، أرض الشرق الجريح والقائم لا محالة. نحن أبناء قيامة وأبناء نور وصلاتنا اليوم إلى رب القيامة وسيد الأنوار أن يكتنف بنوره المعزي وظل حمايته الإلهية أبناءنا المدافعين عن الأرض ويرحم نفوس الشهداء ويرد كل مخطوف إلى ذويه سالما.
ولأخوينا المطرانين نقول: أنتما وهج تسبيح وسط ظلمة ما يجري. أنتما عبق بخور رباني وسط مهالك المصالح، أيها السائران في وهج محيا القدوس، والذي منه تستمدان القوة لكما وللرعية الموكلة إليكما. نحن معكما في دفق صلاة إلى الفادي وقديسيه أن يجلو عن مآقينا هذه الغمامة من القلاقل ويتغمد شهداءنا بنوره وأهلنا بحمايته.
كن معنا يارب وسربلنا بعزائك الإلهي. امشح نفوسنا بقوة سلامك ورسخ في قلوبنا قوة الثبات برجاء خلاصك. كن لنا العون والستر والسور. وانضح نفوسنا بنور سلامك واجل أرواحنا بوميض رأفتك. عز المخطوفين وأعدهم إلى ذويهم وكن يا رب مع المهجرين وقونا لنعزيهم على قدر ما أوتينا. تعهد اليتامى وارحم شهداءنا وبلسم قلوب ذويهم بروحك القدوس. أعطنا يارب نور سلامك وتوج حياتنا بباهي حضورك”.
وطنية