لقد اخترتُ لعيد ارتفاع الصليب المقدّس التأمُلَّ في الصليب إنطلاقاً من السؤال التالي:” كيفَ أَنظُرُ أَنا المسيحيّ إلى الصليب، وهل هذه الخشبة بالنسبَةِ لي رمزٌ للأَلم أَم للحُبّ”؟. ورأيتُ قبل الكلام، أن أتشارَكَ معكم باختبارٍ مأخوذٍ من واقعِ حياتِنا اليومية، من شأَنِه أن يُساعدنا على فهم معنى الصليب، إذ عندما نقيس الأمور بمقياس الحبّ، نفهم.
1- من حياتنا اليومية
يمرَضُ أحدُنا فنتحلَّقُ حولَه كُلّنا، ساعين بكّل طاقتنا على أن نمُدّه بيد المساعدة في هذه المرحلَة الصعبَة من حياتِه: نحوطُه بعنايةٍ خاصّة. نُوّفّر له أسباب الراحة. نسهرُ إلى جانبه لكي نُخفّف عنه ثقل الليالي. وقد نضطرُّ أحياناً إلى ترك عملنا ومُلازمته…
لا شكّ من أَنّ هذا الأَمر يُشكِّلُ بالنسبَة إلينا تَحدّياً كبيراً ويضغطَ علينا، بشكلٍ من الأشكال، ويحرمنا حتّى، من اُمورٍ كثيرة كُنّا نَودُّ القيامَ بِها لولا هذا المرض. ولكنّنا في الوقتِ نفسِه، نفعلُ ما نفعلُه، راجين الشفاء لمريضنا ولَو على حِسابِ راحتنا. وعندما يَجِدُ الشّفاء، نتهَلّلُ ونفرَح.
السؤال المُهِم في هذا الموضوع هو التالي: ونحنُ نسيرُ مع مريضنا هذا، هل كُنّا نتأَلَّمُ أَم نُحِبّ؟. صحيحٌ أنّنا كُنّا نتأَلَّم، ولكنّ هل شكَّلَ ألَمنا عائقاً يحولُ دونَ قيامنا بواجباتنا تجاهَه؟ لا أعتقد ذلك. لِماذا؟ لأنّنا نُحِبّه، ولأنّنا نُحبُّه سنفعلُ المُستحيل، حتى ولو تألَّمنا، لكي يستعيد صحّته. إذاً، ألمنا هذا لَم يَعُد مُجرَّد ألَمٍ عبثي، بل أَصبح طريقنا إلى الحُبّ، إلى حُبِّ مريضنا. هذا ما فهمته القديسة مارت روبن عندما أُصيبت بالمرض فقالت:”أنا لا أتألّم، أنا أُحبّ”.
2- تألّم ومات لكي نحيا بِه
هكذا صنَعَ يسوعُ معنا. لقد رأنا مَرضى ومُثقَلين بخطايانا، فأشفقَ علينا، “وأَخلى ذاتَه”(فيليبي2\7)، مُتخلّياً عن كُلِّ مجدِه لكي يُخلِّصنا. هل تأَلَّم في جسده ونفسِهِ؟ نعم. وقد أَشار إلى هذا الأَلَم في أماكنَ عديدة من الإنجيل، سأختارُ منها اثنَين من يوحنّا الرّسول، الأوّل عندما تحدَّثَ عن حبّةِ الحنطة بقولِه: إن لَم تَمُت تبقى وحيدة (يو12/24-25)، لا قيمَةَ لها لأَنها لَم تأَتِ بأيّةِ ثِمار، ولكي تُثمِر عليها أَن تُدفَنَ في التراب وتموت. والثاني، عندما أشارَ إلى المرأَة التي تَلِد: فهي تحزن لأن ساعة ولادتها قد حانت (يو20\16-22)، تحزن لأنّها ستتألَّمُ جِدّاً وستكون في دائرة الخطر الشديد، ولكنّها سُرعان ما تنسى أحزانَها وشقاها وأَلَم الولادة، عندما تضعُ مولودها، لأنَّ حياةً جديدة وُلِدت إلى العالَم.
تأَلَّمَ يسوع، ولكنَّ كُلَّ ذلِك لَم يكُن بشَيء أَمام الهدَف، الذي هو الإنسان. والذي حرّكه باتّجاه الهدَف هو الحُبّ الذي أحبّنا إيّاه، والذي جعلَه يقبل بالأَلَم والموت لكي يفتح لنا من جديد، أَبواب السّماء، فنفرَح ونتهلّل. ليست آلام يسوع مُجرَّدَ آلام، بل هي آلام خلاصيّة، لأنها سبّبَت الخلاص للجنس البشري.
3- نظرةُ شفقة أم افتخار
عندما ننظُرُ إلى الصليب، لا يَجِب أن نرى فيه مشروعَ موت، بل مشروع حياة. صحيحٌ أنّه يُشيرُ إلى حَدَثٍ في التاريخ أودى بحياة البريء، وإلى خطورَةِ الإنسان وأَعمالِه المُشينَة، عندما ينقادُ إلى الشّرير، ولكنّه، في الوقت ذاتِه، يُشيرُ إلى عظمةِ ذاك المصلوب وصلاحِهِ وقوَّة الحُبّ الذي يتخطى ضعف الإنسان الخاطىء ويشفيه بالغفران. لِذا عندما ننظُر إلى الصليب فلنقل كُلُّنا: هذا هو سَبب خلاصي.
صلاة
يا صليب الربّ، يا صليب الحُبّ، يا سببب خلاصنا، خلّصنا. آمين
الخوري طوني الخوري
أليتيا
الوسوم :صليب أَلَمٍ أَم صليب حُبّ؟