أوهل يكونُ الله وراءَ الشمس أو الصاعقة ؟ لا يدري . مع الأسف الشديد ( أقولها متنهّدا وأشهَق ..) ، الوسواسيّ يُرجعنا إلى زمن الوثنيّة (الإنسان الوثنيّ ) ، الذي يتصوّر ، عفويّا ، وجود قدرة ٍ عُليا وراءَ الظواهر الطبيعيّة في نوع ٍ من عالم ٍ آخر ، ما سمّاه نيتشه في كتابه ” إنتقاد الدين ” ، عالمًا خلفيّا . فمن جهة ، يولّد الشعور الدينيّ إلهًا يعيشُ في الماضي ، ويولّد من جهة أخرى ، إلهًا يوضَع في عالم ٍ خلفيّ وقدرة نرتبطُ بها و ” نرضيها أو نُثير غضبها ” ، إنّها قدرة تطلع الشمس لنا وتُنزل المطر ، لكنّها قدرةٌ أيضا ، تُرسل الأعاصير والصواعق ، فلا بدّ هنا من إستمالة ِ عطفها … ” وسواس دينيّ “! ، وهذا ما نراهُ اليوم متفشّيا في عالمنا .
إنّ هذه الصورة ، هي صورة ” هزليّة ” للصلاة . إنّها بكلّ معنى الكلمة ، ” صلاة وثنيّة ” ، مريضة . فإنّ الإنسان الذي يريدُ أن ” يستعطف – يستميل – يُليّن ، عطف الله وقلبه ، يستعملُ صلوات (إرضاء الله) ، وذبائح من شأنها أن تُسكّن الإله القدير . هكذا ، يظهرُ الدين بمظهر نظام ٍ ورُتب ٍ ، ” قوالب في الفكر ” ، وممارسات تُقام لإسترضاء ولإستعطاف الإله . هذه الرُتبْ والممارسات ، تنقلبُ إلى ” عادات ” ، وتُعدّ هذه العادات في ضمير مستخدمِها – مقدّسة ً . أي أنّ الإنسان ، يُقدسِنُ العادة .. هذا هو ، إن أردنا أن نقول ، الدين المحض الخالي من الإيمان ومن علاقة ٍ حميمية بنويّة مع الله .
الوسواسيّ ، ينظر إلى الله كــ ” قدرة عليا ، غامضة ، بعيدة ” ، أو كــ ” طاقة ٍ جبّارة ” (الكثير من الوسواسيّين الدينيّين ، يلجأون َ لعلوم الطاقة والباطنيّات ويتصوّرون أنها علوم حقيقيّة تستعطفُ المسيحيّة وتلتقيان ! وهذا قمّة الجهل ) ، همّه فقط ، في صلاته ِ أو ممارساته ، أن يرضي هذه القدرة . الأمثلة كثيرة جدّا جدّا ، وأرتأيتُ فقط ، بعضًا منها التي لا تمتّ بأيّة صلة ٍ بالمسيحيّة الحقيقيّة التي أرادها يسوع منّا ، ولا بالصلاة التي علّمنا إيّاها يسوع ، إنّ يسوع برئٌ من هذه الممارسات والصلوات الوثنيّة .
من أغلظ الصور الهزلية عن الله ، وألبقها صورة ” الساحر الأكبر ” ، الإله الذي يُفيدنا في تلبية حاجاتنا (إله طلبات المشاهدين ) . القديرُ الذي نستغيث به حينَ نضطر إلى الإعتراف بعجزنا . بهذه الحالة ، تكون الصلاة مفيدة ، تُرفَع إلى إله ٍ يعدّ مفيدًا ، كغرض للإستهلاك الروحيّ ، وكالقائم بسدّ حاجاتنا (لمجرّد كبسة زرّ يأتينا الله .. سخافة ! عذرًا ) .
وهناكَ من يتصوّر في إحدى زوايا فكره وخياله ، بإنه إنْ لمْ يُكمل تلاوة ” الورديّة ” ، كأن يتركَ السرّ الرابع أو الخامس مثلا ، سوفَ تزعَل منّا أمّنا مريم ، وسوفَ لن يقدرَ أن ينامَ ليلا ، سيُصاب بالقلق ، بإنّه لم يُكمل الصلاة المطلوبة منه . أو هؤلاء الأشخاص الذين ، إن دخلوا الكنيسة الفلانيّة ، ولم يذهبوا فورًا إلى تمثال يسوع أو مريم أو أحد القدّيسين ، وشغّلوا الشمعة أو الضوء الكهربائيّ مثلا ، ذاهبًا فورًا إلى مقعده ، سوف تأتيه الأفكار الوسواسيّة المرضيّة وينزَعجُ ، ويتقلّب في مكانه ويُراوح إلى درجة أنّه سوف لنْ يعيشَ القدّاس الإلهي كما يليق . فقط لإنه نسيَ أن يُشعل الشمعة ! إنه وسواسٌ مرضيّ مؤلم ولا معنى له ، يجبُ التخلّص منه . ومؤكّد أن سببَ هذه الحالات : صور مغلوطة عن الله وعن يسوع .. والخوف من أنّ الله يراقبنا ! . أذكر أيضا ، هؤلاء الذين إنْ سقطَ صليبًا من بين أيديهم ووقع على الأرض ، وجاءَ أحدهم غفلة ً ، و ” داسَ عليه ” ولم يعرفُ أن هناكَ صليبًا على الأرض ، سوفَ يقول له ” أستغفر الله .. أستغفر الله .. ” ويقومُ بتقبيله كثيرًا ، إنه تصوّر وعملٌ طفوليٌّ صبيانيٌّ .. إنه تصوّر بإنّ يسوع ، سيزعل منّا ويعاقبنا وبإنه يحكّ بإسنانه غضبًا علينا .. وسوفَ يقومُ بالصلوات الكثيرة في الكنيسة أو في البيت ، ” ليُكفّر عن ما حصلَ ( إسترضاء الله ) .. هاهاها ( عذرًا للفكاهة فقط لا للإستهزاء ).
صدقا ، أني أصابُ بالتأسف الشديد ، لمثل هؤلاء الأشخاص المساكين ، المصابين بداء ” الوسواس الدينيّ ” طبعًا ، أنا هنا أتيتُ بأبسط الأمثلة ، فهناكَ أمورًا كثيرة معروفة ً ، لا حاجة لي أن أضعها أمامكم .. هذه كاشفة للداء . وكما يقال (إكتشاف الداء نصف الدواء ) ، التشخيص الإيجابيّ لها ، يعطي لنا إمكانيّة التغلّب عليها فهي آفة ُ وطُحلب للإيمان الحيّ .
أخيرًا ، يُعطي الأب فرنسوا فاريون اليسوعيّ تحذيرًا ويقول ” إحذروا من بعض الكلمات المستعملة مع الأولاد : والداكَ لا يريانك َ ، لكن هناكَ أحدًا يراكَ دائمًا ، وهو الله . يا للفظاعة ! يقول فاريون . في ذلك ما يدعو إلى الإنتحار . كشفَ لنا جان بول سارتر ، في ترجمة ذاتيّة عنوانها (الكلمات) ، أنه تعرّض للإنتحار ، ذلك بإنه لعبَ بعيدان الكبريت فـأحرق سجّادة ، فحاولَ أن يسترَ الضررَ ،ثمّ قالَ في نفسهِ : لن تراني أمّي ، لكن الله يراني . فهربَ وأقفلَ على نفسه في الحمّام ، وظنّ أنه جُنّ .. قائلا في نفسه : إنّ نظرَ الله إغتضبَ ضميري ، إغتصبه للأبد. وفي ذلك الحين أخذ يفقد الإيمانْ.
إنّ الله الذي كشفهُ لنا يسوع المسيح ليس هو ، والحمد لله ، إلهًا ينظرُ إلينا ، بل هو إلهٌ يُعانقنا وهذا أمرٌ مختلف كلّ الإختلاف. ” الله ضميرُ المخاطَب لا يستطيع أبدًا أن يصبح ضمير الغائبْ ” .. فالله ندعوه ” أنتَ ” ، وليس ” هو” . قد تقولونَ لي ، لماذا الأخ إسطفان كان يقولُ دائمًا ” الله يراني ” !؟ صراحة ً ، هذا الأمر مختلفٌ تمامًا عمّا قيل أعلاه .. قول الأخ إسطفان ، فيه غايةٌ عميقة وهي أن الله أبٌ يعتني بأبناءه (إنها العناية الإلهيّة ) . لكن الموقف السلبيّ الذي أوضحته أعلاه ، لا يمتّ لمقولة الأخ أسطفان بأيّ صلة ٍ . الوسواسيّ ، يخاف ، يشعر بالذنب ، أمامَ إلهٍ يتصوّره مراقبًا من فوق ، يزعل ، يغضبْ . الخ.
يتبع
عدي توما