ترأس متروبوليت طرابلس والشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران ادوار ضاهر قداسا احتفاليا في كنيسة سيدة البشارة في ميناء طرابلس، عاونه فيه كاهن الرعية الأب الياس رحال والأب خليل الشاعر وحشد من الراهبات وأبناء الرعية.
بعد الإنجيل، ألقى ضاهر عظة قال فيها: “قالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى تواضع أمته وها منذ الآن تغبطني جميع الأجبال، لأن القدير صنع بي عظائم. مجد لا ينال، أيها الإخوة الأحباء، وشرف لا يسامى، مجد مريم وشرف العذراء”.
أضاف: “سمت فوق الخلائق، تعلو بفضائلها، وتعلو وتعلو، حتى بلغت من السماء أوجها، وعادت إلى الأرض يتوج رأسها إكليل الاستحقاق. ويزين الجبين منها، عنوان الأمومة الإلهية. والدة الله “ثيوتوكس” تلك الأمومة الفضلى والمميزة بوحدانيتها في الكون، والتي رفعت مريم العذراء إلى مرتبة فوق كل مرتبة. إلى مرتبة عالية، أين منها مراتب الناس أجمع، مهما علت وتسامت، وأين منها مراتب الملائكة والقديسين في السماء، مهما ارتفعت وعظمت”.
وتابع: “أيها الأحبة، عظمة مريم العذراء، أم الله، والدائمة البتولية، لا يحدها عقل بشري، ولا يفي بوصفها لسان على الأرض، “لأن القدير صنع معها العظائم”. وعظائم القدير، أكبر من أن تحدها قدرة البشر. في الحقيقة، أيها الأبناء الأحباء، أي شيء على وجه الأرض أكبر قدرا من وجه الأم؟ أي شيء على وجه البسيطة أثمن وأغلى وأعمق حنانا من قلب الأم؟ أي شيء في الدنيا يساوي عطف الأمهات؟ أمنا الطبيعية أعطتنا نور الوجود، ورافقت خطانا في مراحل الحياة سهرا وتعبا وتفانيا. أما أمنا العذراء مريم، أمنا السماوية، فقد أعطننا المسيح فادينا، أعطتنا مجد الحياة وفخرها. وأمنا الأرضية الطبيعية، ما هي إلا رمز بسيط لأمنا السماوية. واليوم، وفي بدء فصل الربيع، وفي غمرة أعياد شهر آذار، عيد المعلم، عيد الطفل، عيد الأم، عيد البشارة، بشارة العذراء، يحلو ويطيب لي، ومن هنا، من هذه المدينة العزيزة طرابلس، والعزيزة على قلبي، وباسم كل ابن، أن أتقدم من كل أم بأحلى وأعذب معايدة، مرددا مع الشاعر رشدي المعلوف: “ربي سألتك باسمهن أن تفرش الدنيا لهن بالورد إن سمحت يداك وبالبنفسج بعدهن، ربي سألتك رحمة وجه السماء ووجههن، وإني أسأل الابن الوحيد، كلمة الله الأزلي، الرب يسوع المسيح، الذي أبى إلا أن تكون له “أم” على الأرض مثلنا، ليذوق حنان الأم وينعم بدفء أحضانها، أسأله أن يحفظ ويبارك كل أم وأن يعطيها الصحة والعمر الطويل، لتتمكن من تحقيق كلما يصبو إليه قلبها الكبير والمحب. وأستمطر على كل أم، بركة الأم السماوية، العذراء مريم، شفيعة لبنان وشفيعة كل أم”.
وقال: “الكتاب المقدس، عندما يتكلم عن تاريخ البشرية، يضعنا أمام لوحتين: اللوحة الأولى ملاك وامرأة، إبليس وحواء، الجحيم والأرض، عرض من الجحيم ماكر، جواب من الأرض مخجل، فالخطيئة الأصلية والهلاك المقرون بالوعد بالخلاص، واللوحة الثانية ملاك وامرأة، جبرائيل ومريم، السماء والأرض، عرض من السماء رائع، جواب من الأرض مشرف، نعم العذراء الخلاصية، فالتبرير الإلهي والفداء المقرون بالتجسد للخلاص”. أجل أيها الأحبة، إمرأتان في التاريخ، كان لهما كبير شأن في مصير الإنسانية، إمرأتان في التاريخ، كان مصير البشرية منوطا برهن إشارة منهما. إثنتان بين النساء، لعبت الواحدة ورقة الشقاء، والثانية ورقة السعادة، ورقة إستعادة النعيم للإنسان المتهور بالخطيئة: حواء، يوم تجربة الفردوس والعصيان والسقوط، والخطيئة الأصلية، والعذراء، يوم البشارة بالمخلص وإعلانها تلك “النعم”، نعم العذراء الخلاصية: “ها آنذا أمة للرب، فليكن لي بحسب قولك” (لوقا 1/38) وفي تلك اللحظة بالذات، “كلمة الله صار جسدا وحل فينا” (يو1/14) وبالتالي فمريم العذراء هي مثال للقداسة. وهي أم المسيح وأمنا. فكل إكرام نسديه للمسيح، نسديه للعذراء أم المسيح وأمنا. الحياة بدون أم، كجسم بلا روح، وكليل بلا نور، ويأس لا يعقبه رجاء، ومريم في حياتنا نحن البشر، هي روح حياتنا، ونورها ورجاؤها. هي الشفيعة لنا عند الله، فكل مطلب، من الله، عن طريق مريم الأم، مستجاب عند الله، وكل صلاة إلى الله، بشفاعة مريم أم الله، مقبولة عند الله”.
أضاف: “باسمكم جميعا أصلي وأقول: أعطنا يا عذراء، أن يكون كل واحد منا، نحن المسيحيين، ثمثالا حيا لك، ارتفاعه: ارتفاع النفس بالرجاء والإيمان والمحبة. وقاعدته: رصف الحياة بالأعمال الصالحة، وامنحينا يا عذراء، أن تكون حياة كل واحد منا، نشيد مديح حي، ينطق بأمجادك، يا مريم أمنا، كما أنك أنت نشيد مديح حي، ينكق بأمجاد المسيح الحي، قرونا تلو قرون، وأجيالا بعد أجيال، أجل، نحن عبيدك، أنت يا سيدة البشارة، يا شفيعة هذه الكنيسة المقدسة وهذه الرعية المباركة، ويا شفيعة كل المسيحيين، بل كل البشر، أنت، يا التي أعلنت قائلة: ” لأن القدير صنع بي العظائم”. أنت العظيمة بل الأعظم والأكرم والأمجد، بين كل الخلائق، مما في السماء وعلى الأرض، يا لؤلؤة اللآلىء، يا تحفة تحف الخالق العلي العظيم، أنت يا سيدة السلام، جودي علينا بسلام ابنك وإلهك القائل:
” سلامي أعطيكم”.
وختم: “أنتم يا أبناء هذه الرعية المباركة، المعيدين ذكرى بشارة أمهم السماوية،
وأنتم يا جميع ناشدي السلام في وطننا الحبيب لبنان، وفي كل العالم، وخصوصا أنتم يا أصحاب المقامات الروحية والمدنية، أنتم يا أيها الزعماء ورؤساء الأحزاب في لبنان وخصوصا أنتم يا 8 و 14 آذار، أتريدون حقا سلاما وأمنا وعيشا مشتركا كريما وهادئا وحياة مطمئنة آمنة؟ كونوا أنتم كلكم أولا في سلام مع ربكم ومع ضمائركم، إذذاك يكون لكم ما تريدون وما تحلمون، السلام الحقيقي والأمن الدائم. صلوا، أجل صلوا دائما ولا تملوا طالبين السلام، بشفاعة العذراء مريم سيدة السلام وشفيعة هذه الكنيسة”.
بعد القداس، تقبل ضاهر والكهنة التهاني بالعيد في صالون الكنيسة.
وطنية