طب الألم
تعرِّف المراجع العلمية الألم بأنه اختصاص أبعد من التخدير قوامه الوقاية والتقدير والتشخيص والمعالجة وملاءمة المرض مع آلام حادّة ومزمنة مقترنة أم لا بالسرطان وذلك في كل الاعمار . أما علاج المرض فيعود الى فرع طبي يقوم على مقاربة متعددة الاختصاصات لتخفيف الأوجاع وتحسين حياة المصابين بها. يضم فريق المعالجة بوجه عام أطباء ممارسين، صيادلة، أطباء نفسانيين يعملون قرب سرير المريض، معالجين فيزيائيين ، معاونين طبيين، ممرضات وممرضين متخصصين. ويمكن ان يشمل كذلك اختصاصيين في الامراض العقلية، ومدلّكين علاجيين. اما اذا تعذّر تحديد اسباب الوجع فمن واجب الطب التخفيف منه. ثمّة مقاربات مختلفة للألم المزمن تشتمل اجراءات صيدلانية كالمسكّنات ومضادّات الاكتئاب ثلاثية النويّات ومضادّات الصًرع والعلاج الفيزيائي والتمارين الجسدية واستخدام الساخن والبارد واجراءات نفسية كالمفعول الارتجاعي الحيويّ والعلاج النفساني الادراكي- السلوكي.
الألم هو اختبار حواسّي وعاطفي مزعج. هناك في الاساس نوعان من الألم: الحادّ والمزمن.
في هذا السياق وبالنظر الى أهمية الموضوع اخترنا افتتاحية المجلة الطبية الألمانية المسمّاةSchmerzmedizin ومعناها طب الألم التي نشرت في عدد ايلول 2018 وهي بقلم الطبيب النفساني يوهانس هورليمان ، رئيس الجمعية الالمانية لطب الألم، طبيب صحّة عامة متخصص بمعالجة الآلام، رئيس مركز الأوجاع الاقليمي في مدينة غلدِرن الذي شاء ان يوجه رسالة الى اصحاب القرار وعنوانها :
المعرفة، الزمن والألم- كيف نستطيع ان نكون اكثر فطنة ؟
ان المناخ الايجابي الذي نشأ حديثا بين الجمعيات المتخصّصة في طب الالم ليس سوى خطوة صغيرة. المهم ان يصل الجهد والصبر والتفاني الى صانعي القرار في التزويد بالمواد اللازمة.
قال الفيزيائي ستيفان هوكينغ الذي توفي في ربيع 2018 بعد سنوات من تشخيص مرضه المعروف بالتصلّب الضموريّ الجانبيّ Amyotrophic lateral sclerosis (ALS) ، مقيَّدا في جسد شبه ميّت: “ان اكبر عدوّ للمعرفة ليس الجهل، بل هو توهّم العارف” . وقد اعتُبر كتابه “قصة زمن قصيرة” من اكثرالمؤلفات تفوّقا في العالم، وهو يدور حول “الوقت” الذي يشكّل أهم ثروة للانسان.
المعرفة الكافية ضرب من الوهم. إن وهم العارف اضافة الى عامل الوقت هما بعدان يرتديان اهمية بالغة بالنسبة الى استخدام معارفنا لتطبيق علاج الألم. الوقت يدعو الى التعجيل دون ان نتمكن من تثبيت موضوع طب الألم في خطة الرعاية الصحية او جعله اكثر جاذبية لجيل الشباب. كما ان وهم التمتع بمعارف وكفاءات وافية في مجال طب الألم يِسِم حتى اليوم تحمّل مسؤولية بعض الاختصاصات. الارقام الواضحة التي استقيناها من البحوث في المجال العلاجي تدحض هذا الخطأ الشائع، الا ان كل عملية حسابية او كل معادلة رياضية من شأنها ان تختزل عدد القرّاء الى النصف. وهل ثمة دواء يصلح لمعالجة الفكر الجامد ؟ وبالمطلق: وأيّة معارف يترتب علينا ان ننقلها؟ أهي معارف صادرة عن توجيهات انطلاقا من الاثباتات والأدلة السارية ؟ ام من خبرات وتجارب الاطباء الممارسين والمرضى ؟ لقد اظهرت العناية الطبية الملطّفة ان الالتزام الشخصي يمكن ان يساعد فرعا اختصاصيّا معينا (“اننا جميعا قابلون للموت، كل يوم!”). لكننا لسنا جميعنا بحال من الاحوال مرضى نعاني آلاما مزمنة.
السؤال المطروح: هل تركنا وراءنا عصر العقل الى غير رجعة ؟ وهل يكفي التهرّب فقط عندما تفقد الادلّة أهميتها وتزدهر معارفنا في بيئة غير مضمونة ؟ قبل وفاته بوقت قصير نصح ستيفان هوكينغ بترك الارض والزحف نحو مناطق حيوية جديدة. غير ان ذلك لا يحلّ مشكلتنا وسيبقى هناك أناس يعانون أمراضا حطيرة.
ثمّة عامل مشترك جمع بين ألبرت آينشتاين وستيفان هوكينغ: حياة زوجية صعبة ودرجات مدرسية متوسطة. وعلى عكس آينشتاين الذي وسّع بنظريته في المعرفة جوهريا فهم العالم، يكمن استحقاق ستيفان هوكينغ في الصبر والتفاني الفائقين اللّذين عبّر بهما عن حماسته للعلم ولو بالنسبة الى عدد من “المثقّفين” أقل بكثير. وقد يكون ذلك، اي الشغف بنقل اختصاصنا بصبروتفاني الى جيل الشباب، سبيلا واسلوبا. فالمناخ الايجابي الجديد الذي نشأ بين الجمعيات المتخصصة في طب الألم قد يكون الخطوة الاولى الصغيرة على هذا الطريق. ولا بدّ ان يبلغ الصبر والتفاني اصحاب القرار في التموين: شركات التأمين الصحي، شركات الضمان الصحي والجمعيلت الطبية وكذلك ممثلو الجمعيات المتخصصة التي تتجاوز حقوقها المكتسبة الحاجة التموينية. والى الذين لم يدركوا أو يريدون ان يدركوا ان هناك بجانب مرضى الآلام الحادة يتزايد عدد المرضى المزمنين كل يوم بفعل وفي قلب نظامنا الصحيّ. مفتوح العينين.
بكل أناة،
يوهانس هوريمان
إعداد وتقديم ايلي مخول