وجه المطران انطوان شربل طربيه، رسالة الى أبناء الكنيسة المارونية في أوستراليا لمناسبة عيد الميلاد بعنوان “رجاء الآباء وانتظار الشعوب”، قال فيها: “ان ميلاد الرب يسوع هو احتفال بعيد الرجاء، اذ فيه تحققت نبوءات الانبياء والمرسلين، ومعه وصل انتظار الآباء والشعوب الى غايته المنشودة، فولد المخلص الموعود عمانوئيل “الله معنا” والحلم أصبح حقيقة، وظهر الرجاء الصالح لبني البشر أجمعين. وبميلاد الرب يسوع طفلا في مغارة بيت لحم، تجلت محبة الله الآب في الابن المتأنسن، وتمجد المسيح الإله في الانسان المولود من مريم البتول بنت داود. لقد اصبحت كلمة الله جسدا حيا لتمنح البشرية جمعاء حياة جديدة لزمن جديد تتجلى فيه الكلمة الالهية المتجسدة، التي هي النور في ذاته، الشمس الحق التي تشرق على كل ظلمات التاريخ، لتضيئها بأنوار الرجاء للعهد الجديد، لأنه “من دون المسيح، ليس لنا رجاء” (أف 2/12)”.
اضاف: “نحتفل بعيد الميلاد هذه السنة، وتكاد شعلة الرجاء تنطفىء في قلوب الكثيرين، فأول ما يهدد في نفوسنا الرجاء هو أخبار تنامي الأصوليات الدينية التي تعتمد لغة القتل والظلام والترهيب تجاه الآخرين. فالعمل الارهابي الذي استهدف الكنيسة البطرسية المجاورة لكاتدرائية القديس مرقس لإخوتناالاقباط الارثوذكس في القاهرة، كان الأعنف في مسلسل اضطهاد الأقلية المسيحية في مصر، وهو يخبىء وراءه مساعي شريرة لاشعال الفتنة الطائفية. هذا الاعتداء الذي ذهب ضحيته اكثر من خمسة وعشرين قتيلا، أغلبهم من النساء والاطفال، بالاضافة الى عدد كبير من الجرحى، يدفعنا اولا الى ادانة الارهاب ورفضه بشكل قاطع والتساؤل بالتالي أمام الضمير العالمي حول مصير الاقليات، ومنها المسيحيون في الشرق الاوسط. كما انه لا بد من ان نسأل الشعب المصري العزيز عن مصر التي عرفناها ملجأ لعائلة الناصرة المقدسة من تهديدات واضطهاد هيرودوس، هل تحافظ مصر اليوم على هذا التقليد؟ ولكن الحقيقة الساطعة التي لا تقبل الجدل هي أن عيد الميلاد يبشر بالرجاء في خضم المعاناة والوجع والمحن، ونجمة الميلاد هي نجمة الرجاء التي جعلت الشعب السائر في الظلمة يبصر نورا عظيما”.
واردف: “رجاؤنا هذا لا يأتينا من الناس بل من الله الذي منه وفيه شفاء العالم. ولكن الرجاء الذي اصبح في اساس العالم الجديد، يساعدنا على ان نضع حدا للألم ومقاومة الشر، انما لا نستطيع إزالتهما إلى أن يصبح الله كلا في الكل. وإذا كان لا بد من أن نتساءل اليوم: ماذا يمكننا أن نرجو؟ وماذا لا يمكننا أن نرجو؟ فقبل كل شيء، نحن نرجو وعد المسيح لنا بالخلاص والحياة الابدية، ليس فقط كحقيقة منتظرة، ولكن كحقيقة حاضرة. فالاحباط الذي يشعر به انسان اليوم من جراء اخفاق التقدم والتطور العلمي في توفير السعادة الكاملة للانسان، يجعل رسالة الكنيسة وابنائها رسالة ملحة وصعبة في عالم اليوم. إن عالمنا بأمس الحاجة الى رجاء جديد ينعش في قلبه الفرح الحقيقي، لأن ثورة العلم والتقنيات العالية التي نشهدها قد تسهم في بناء الانسان والمجتمع، ولكن باستطاعتها أيضا ان تهدم الانسان والبشرية اذا لم تكن مرتبطة بقوى خارجة عنها واقوى منها. فالذي يخلص الانسان ويعطيه نعمة الرجاء والسعادة الحقيقية، ليست العلوم، وليست سرعة التواصل الاجتماعي، وليست كثرة وسائل الإعلام الرقمية والألعاب الإلكترونية، التي دخلت، من دون استئذان، ليس فقط الى بيوتنا وحسب بل الى صلب حياتنا اليومية، وحياة اولادنا، واصبحت كالخبز اليومي لا يمكن الاستغناء عنها، ولا هي تنوي الرحيل عنا وقد تربعت على عرش من صنع الخيال أدخلته الى حياتنا، وأقل ما يقال فيها إنها تسرق منا ومن اولادنا البعد الانساني في التفاعل والتعامل المحب مع الآخر”.
وتابع: “إن الذي يخلص الانسان ويزرع في قلبه الرجاء، ليس العلم والتقنيات، انما المحبة التي لا تعطي الا ذاتها. وعندما يعيش الانسان خبرة حب كبير يدخل فعلا الى واحة الفداء والخلاص ويعطي معنى جديدا لحياته. فمن يمسه الحب الحقيقي يبحر في سر الحياة، وعندما يكتشف عمق هذا الحب يجد الرجاء النابع من سر التجسد الالهي، لانه فعلا رجاء الآباء وانتظار الشعوب”.
واعتبر “ان التأمل بحدث الميلاد يجعلنا نعي اهمية تجديد ايماننا في مجتمع يعيش ازمة ايمان بالله، دون ان يدري أن عالما بدون الله هو عالم بدون رجاء. فالرجاء فضيلة إلهية تنبعث من إيماننا المسيحي وتحييه. فلا رجاء دون ايمان ولا ايمان دون رجاء، انهما فضيلتان متلازمتان تنبعان من محبة الله وتقودان مسيرة شعب الله السائر نحو سعادة السماء. ومسيرة الرجاء هذه نعيشها بشكل خاص في ابرشيتنا، وقد انطلقت ورشة العمل للمجمع الابرشي الذي سيعقد جمعيته العمومية الاولى في الاسبوع الاخير من شهر تشرين الثاني 2017. وسيتناول البحث الاولويات الرعوية السبع التي أعلناها عام 2013، وتفعيل دور العلمانيين في كنيستنا المارونية، بالاضافة الى التداول في مختلف الامور الرعوية والرسولية والروحية في الابرشية”.
واكد “ان رسالة كنيستنا المارونية في مجتمعنا الاوسترالي التعددي هي رسالة رجاء، ليس فقط من اجل تجديد رجائنا نحن ابناء الايمان، بل من اجل الآخرين، لنكون رسل رجاء جديد لهم، فنبادر لنساعدهم على السير بهدي انوار نجمة الميلاد، نجمة الرجاء، الى مغارة بيت لحم، ليسجدوا امام الطفل الالهي، وتنطلق حينها مسيرة التنشئة على الايمان والرجاء والمحبة”.
وختم طربيه: “وتبقى الصلاة المكان الاساسي للتنشئة على الرجاء. فان لم يعد هناك احد يسمعني فالله لا يزال يصغي الى صوت استغاثتي. وان لم يعد بوسعي التكلم مع احد فبامكاني التكلم مع الله. فما اجمل ان تجتمع العائلة في الميلاد للصلاة وتسبيح الطفل الالهي، الذي دخل تاريخ كل واحد منا واصبح اقرب الى ذواتنا منا نحن الى ذواتنا. والبشرى السارة لنا اليوم هي “أن الله هو اساس الرجاء، لا أي إله، بل الاله الذي يحمل وجها بشريا والذي أحبنا غاية الحب، كلا بمفرده، والبشرية جمعاء”. (البابا بندكتوس في رسالته حول الرجاء المسيحي:”خلصنا بالرجاء” (عدد 31)، فلنسبح ونهتف قائلين:”ولد المسيح هللويا”.
وطنية