تمرّ بنا اليوم الذكرى السنوية الثانية للنكبة المفجعة وهي اقتلاع أبناء شعبنا المسيحي السرياني الكلداني الآشوري من أرض الآباء والأجداد في قرى وبلدات سهل نينوى: في قره قوش وبرطلة وبحزاني وبعشيقة وتللسقف والقوش وكرمليس وسواها، ليلة ٦ – ٧ آب عام ٢٠١٤، بعد أن اقتُلع إخوتهم وأخواتهم من مدينة الموصل في العاشر من شهر حزيران من العام عينه.
أمام هذه المحنة التي تدمي القلوب وتُضعف المعنويات وتسدّ الأفق على كلّ أملٍ ورجاءٍ، فإنّنا نعود ونجدّد صرختنا ونعلي الصوت على الملأ وأمام العالم بأسره، ونتوجّه خاصةً إلى المجتمع الدولي ومنظّمة الأمم المتّحدة والدول الكبرى صاحبة القرار وجميع أصحاب الإرادات الصالحة، وكذلك الحكومة العراقية المركزية، شاجبين التخاذل والتباطؤ والتأخير في تحرير هذه الأراضي في الموصل وسهل نينوى، ومناشدينهم الإسراع بإنهاء محنة شعبنا المقتلَع، فيعجّلوا في تحرير أراضينا الغالية المغتصَبة من قوى الظلام والإرهاب، داعش ومثيلاتها، ويوفّروا سبل الحياة الآمنة والعيش الكريم، ليستطيع أبناؤنا وبناتنا حينذاك أن يعودوا إلى أرضهم وبيوتهم التي لطالما تعطّشوا وتاقوا إليها لسنتين كاملتين، ويتابعوا حياتهم بالحرية والعدالة وبالمساواة التامّة مع إخوتهم في الوطن، بالكرامة وروح المواطنة الحقّة.
وفي الوقت عينه، نشكر كلّ من ساهم ولا يزال يساهم بدعم صمود أبناء شعبنا، سواء حكومة إقليم كردستان، وحكومات البلدان التي لجأوا إليها، والمنظّمات الكنسية، والمؤسّسات الرسمية والخاصة وسواها، والتي لم تنفكّ عن تقديم المساعدة والعون لهم.
وها إنّ الرب قد عزّى كنيستنا السريانية الجريحة في العراق الحبيب برسامة أربعة كهنةٍ جددٍ شاؤوا أن
يكرّسوا ذواتهم للرب في هذه الأرض المباركة، وهم جميعاً من أبناء أبرشية الموصل وكركوك وكردستان: واحدٌ
تكرّس لخدمة أبرشية بغداد، وثلاثةٌ لخدمة الأبرشية الأمّ في الموصل وكركوك وكردستان. يا لها من عطيةٍ عظيمةٍ!، لقد تفقّد الله شعبه في خضمّ المحنة.
إنّنا في هذه الظروف الصعبة والعصيبة، نتوجّه بالقلب والفكر والروح إلى أبنائنا وبناتنا الذين يعانون آلام الإقتلاع ونكبة النزوح والهجرة، وبخاصة أبرشيتنا الحبيبة، أبرشية الموصل وكركوك وكردستان للسريان الكاثوليك، بشخص راعيها سيادة أخينا الحبر الجليل مار يوحنّا بطرس موشي الجزيل الإحترام، وكهنتها الأفاضل، وإكليروسها المبارك، ومؤمنيها الأعزّاء، الذين أُرغِموا جميعاً على تجرُّع مرارة الإقتلاع، فتبدّد شملهم إلى كردستان ولبنان والأردن وتركيا، ومنهم من وصلوا إلى ما وراء البحار في أوروبا وأميركا وأستراليا.
إنّنا، وبعاطفة الأب الروحي، نشدّ على أياديكم، ونقدّم صلاتنا حارّةً في هذا يوم عيد تجلّي الرب يسوع على الجبل من أجلكم. وكما صلّى يسوع من أجل تلاميذه كي لا يفنى إيمانهم، ها نحن أيضاً نصلّي من أجلكم كي تبقى شعلة الإيمان والرجاء مضطرمةً في قلوبكم، فلا تيأسوا أبداً و”لا تحزنوا كالذين لا رجاء لهم” (١ تسالونيكي ٤: ١٣)، بل ارجوا “فوق كلّ رجاء”، فإنّ الرب لا بدّ وأن يستجيب لكم ويسرّع في يوم التحرير، كي تعودوا إلى متابعة شهادتكم لإله الرحمة وإنجيل المحبّة والسلام من أرض الآباء والأجداد، رغم عظمة الصعوبات وجسامة التحدّيات. فهذه الأرض أرضنا وستبقى أرضنا، ولنا ملء الثقة بربّنا ومخلّصنا يسوع القائل: “ثقوا أنا قد غلبتُ العالم” (يوحنّا ١٦: ٣٣).
٦ آب ٢٠١٦
عيد تجلّي الرب يسوع على الجبل
اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي
زينيت