عباس الصباغ / النهار
آلاف المحتجين على سياسات الحكومات المتعاقبة وتفاقم الازمات قرروا ترجمة اعتراضهم خلال الساعات الفائتة عبر تظاهرات حاشدة في ساحة رياض الصلح، رافعين مطلب استقالة الحكومة.
شبان وفتيات من جمعيات مدنية، وبدعوة من حملة “طلعت ريحتكم “، عدا عن اساتذة وطلاب ونقابيين وناشطين بيئيين ومتضررين من الاخفاقات المتكررة في ايجاد الحلول للازمات وأبرزها ازمة النفايات والكهرباء وغيرها ، تجمعوا امس في ساحة رياض الصلح خلف هتافات “ثورة، ثورة، ثورة”، و”ارحل”، و”الشعب يريد اسقاط النظام”، اضافة الى انتقادات حادة لقوى 8 و14 آذار وكل القوى السياسية التي حمّلوها ازمة النظام اللبناني.
“استقالة سلام”
بعد تحرك صاخب مساء اول من امس تخلله صدامات غير مسبوقة بين القوى الامنية والمتظاهرين أسفرت عن سقوط عشرات الجرحى في صفوف الطرفين ، وبعد تراجع القوى الامنية الى قبالة السرايا الحكومية، سارع المتظاهرون الى نصب خيمهم الصغيرة قبالة تمثال الرئيس الراحل رياض الصلح وقطعوا الطرق المؤدية الى السرايا ونظموا صفوفهم في انتظار المؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة تمام سلام، ولم ينه الاخير كلامه حتى بدأت اعداد المتظاهرين بالازدياد، ووصلت الى الذروة مساء أمس حيث غصت الشوارع المؤدية الى السرايا بآلاف المتظاهرين من كل المناطق والطوائف في مشهد غير مألوف في لبنان منذ فترة طويلة.
تظاهرة الامس لم تمر على خير، وتخللها كر وفر، وسقوط عدد من الجرحى في صفوف الطرفين، ومحاولات منذ الصباح لإزالة الاسلاك الشائكة ، وتطور الامر مساء بعد ان استخدمت القوى الامنية خراطيم المياه لتفريق المعتصمين بعدما عمد بعض الشبان الى رشق عناصر فرقة مكافحة الشغب بالقناني الفارغة ولاحقاً بزجاجتي مولوتوف .
حملة “طلعت ريحتكم” رفضت “ارهاب سلطة الفساد”، كما طالبت رئيس مجلس الوزراء بتقديم استقالته فوراً، ولاحقاً اصدرت بياناً تلاه طارق الملاح الذي اكد سلمية التحرك وان التظاهر قد يتجدد اليوم ما لم تنفذ مطالب المتظاهرين وعلى رأسها استقالة الحكومة واعتبار مجلس النواب منحلاً”، وشدد على ان “التحرك مطلبي وليس حزبيا، وان الوزراء غير مرحّب بهم في هذا التحرك”.
وكان وفد من المتظاهرين التقى الرئيس سلام وطالبه “بالمحاسبة الفورية للمعتدين على المعتصمين”. وقال أحدهم: “بعد الاستماع إلى الرئيس سلام، اكدنا له أن صبرنا قد نفد مما قد يتحمله أي شعب، من انتشار للنفايات وانقطاع التيار الكهربائي”، داعين إياه إلى “الرحيل اليوم الساعة السادسة مساء”.
وشددوا على أنهم “مستمرون بالتظاهر سلميا”، داعين القوى الامنية إلى “عدم التعامل معنا بالعنف” كما حصل أول من أمس”. وحمّلت “الحملة” مسؤولية الشغب الى “مندسين بين المتظاهرين في وسط بيروت، وألقوا قنابل مولوتوف على القوى الأمنية”.
“من كل الأعمار”
التظاهرة امس تميزت بمشاركة واسعة من الشرائح الاجتماعية كافة. عائلات بأكملها حضرت منذ الصباح الى ساحة رياض الصلح، وأعرب المشاركون عن أملهم بـ”التغيير واصلاح النظام اللبناني بعد استقالة الحكومة وحل مجلس النواب”، ولم يتردد الذين حرصوا على الوصول الى قبالة السرايا عن انتقاداتهم القاسية للسلطة الحاكمة في لبنان، وحمّلوا كل المشاركين في السلطة المسؤولية عن الاوضاع المتردية التي وصلت اليها البلاد.
مشاركون في التظاهرة قالوا إن “تحرك ساحات بيروت سيصل حتماً الى التغيير”. وفي هذا السياق يؤكد غسان ناصر ان “أداء السلطة لم يعد يطاق والاجدى بها ان ترحل”، فيما ترى هبى عبد الخالق ان “الامل فقط بتغيير الطبقة السياسية واسقاط الحكومة وتغيير الطاقم السياسي”. وبدورها تشير الطبيبة حليمة القعقور الى ان “الهدف هو اسقاط النظام الطائفي”.
اول من امس بدا تحرك “طلعت ريحتكم ” سلميا وبأعداد قليلة، ولكن سرعان ما تطورت الامور دراماتيكيا ووصلت الى ذروة الصدام غير المسبوق بين متظاهرين وقوى امنية، وتخلله اطلاق الرصاص الحي والمطاطي والقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه .
بدأت المواجهات في ساحة رياض الصلح واتسعت دائرتها لتصل الى ساحة الشهداء والصيفي وجسر فؤاد شهاب، وعملت القوى الامنية على ملاحقة المتظاهرين وأبعدتهم الى قبالة مسجد محمد الامين عبر استعمال الرصاص الحي والمطاطي، وعمد المتظاهرون الى رشق العناصر الامنية بالحجارة موقعين 35 جريحاً في صفوفها بحسب بيان لقوى الامن الداخلي. وفي المقابل، أفاد المتظاهرون عن سقوط 16 جريحاً على الاقل اثنان منهم في حالة متوسطة ومعظمهم اصيب برصاص مطاطي فضلاً عن عشرات حالات الاختناق بسبب تنشق الغاز المسيل للدموع.
وفي سياق متصل، تركت منظمة الشباب التقدمي “الحرية لأعضائها في المشاركة، على ان تدعو الى تحركات مواكبة، ولا مانع اطلاقاً من التنسيق مع القيّمين على التحرك الحالي مستقبلاً (…)”. ولفتت في بيان الى انها “تهيب بالقوى الأمنية والمعنيين بالملف الأمني التعرض للتحركات الشبابية السلمية، فالتعبير الديموقراطي الحضاري حق كفله الدستور والقوانين وهو جوهر لبنان وركيزة من ركائز وجوده”.
من جهتها توجهت “حركة لبنان الرسالة” بتحية “إكبار واعتزاز الى الشباب اللبناني المنتفض على الواقع المزري وهي تقدر عاليا ثورتهم على الفساد ونخوتهم وصدق تطلعاتهم التي لا بد منها لبناء مستقبل وطن يحترم كرامة الانسان وحريته (…)”.
وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أكدت “احترامها الكلّي لحق المواطنين في حرية التعبير والتظاهر السلمي. وفي هذا الإطار عملت وستعمل على حماية المتظاهرين وتوفير الظروف الملائمة لتمكينهم من التعبير عن مواقفهم، إلا أنها وبحكم مسؤوليتها عن حفظ الأمن ترى نفسها مسؤولة عن حماية المؤسسات الرسمية في كل الظروف، وبالوسائل القانونية، للحؤول دون إقدام مندسّين بين المتظاهرين للاعتداء على مقار المؤسسات التشريعية والتنفيذية كما على الأملاك الخاصة، وذلك توخيّاً لحصول أعمال يصعب تداركها”.
وأهابت “المديرية العامة بالمتظاهرين التحلّي بالمسؤولية والحرص على عدم تشويه تحرّكهم السلمي”.
ولفت الى أنها ليست في موقع الخصم أو الانحياز الى أي جهة، بل هي الضمان لممارسة هذا الحق، وتعتبر المتظاهرين بمنزلة أبنائها.
أما في حال الإخلال بالنظام العام، فإن قوى الأمن الداخلي ملزمةٌ أيضاً، وفقاً للقوانين بالعمل على حفظ الأمن والنظام وتوقيف المخلين”.
وتوضيحاً لما رافق التظاهرة اول من امس اوضحت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي ان “بعض المتظاهرين في ساحة رياض الصلح قاموا بالإعتداء على عناصر قوى الأمن الداخلي المكلفين حمايتهم وحماية المنطقة الأمنية في محيط السرايا ومجلس النواب من خلال دفع هذه العناصر ورمي الحجارة والنفايات والمفرقعات عليهم، ومحاولتهم إزالة الشريط الشائك لهذه المنطقة.
ازاء هذا الواقع ولمنع الاحتكاك والتصادم مع المتظاهرين وخرق السياج الأمني دخول المقار الرسمية واستباقاً لما قد ينتج من ذلك من سقوط ضحايا، قامت عناصر مكافحة الشغب باستعمال المياه لإبعادهم عن المنطقة الأمنية. وبعد تطور الوضع قامت باستخدام القنابل المسيلة للدموع واستعمال عتاد حفظ الأمن والنظام المزودة بها لتفريقهم (…)”. واشارت الى “سقوط 35 جريحاً من قوى الأمن الداخلي إصابة بعضهم خطرة، وتضرر عدد كبير من آليات قوى الأمن الداخلي”.