ولد بالعطاء فياضّاً، من أبٍ حمل الكهنوت المقدّس هبةً من الله، وأم قدّيسة، لها من جود خير الله زاداً. طهارة وتقوى لأب وأم، تغلغلا في الحنايا منذ الطفولة، وسريا في عروقه، تفيض حبّاً وإيماناً، خفق به قلبٌ كان كبيراً منذ الصغر.
لا تتّسع الصفحات، ولا الكتب والمجلّدات، لتعداد مآثر الأباتي الياس، وما تحلّى به من مزايا نادرة وصفات، وما حباه الله ايّاه، من طاقات وقدرات، وما عبّر عنه من أفكار، وما قام به من انجازٍ ونشاطات.
حسبي أن أورد عنه قيامه بعمل رسوليّ وطنيّ جبّار، متحسّساً بعمق، آلام وطنٍ وناس، في أحلك ظرف عصف بالوطن. أزمات كانت تخبو حينًا، وتنفجر أحيانًا على ساحات الوطن.
منتصف الثمانينيات من القرن الفائت، أطلق الأباتي نداءً صاعداً من الأعماق، إنعكس تجسيداً لطاقات شلّة مختارة من مواطنين كانوا يتحسّسون مثله آلام المجتمع وعذاباته. نداءٌ نفخ فيهم روحيّة إستعدادٍ وتأهّب، فشمّروا عن سواعد الخدمة، وتأسّست “الحركة اللبنانية للإنماء”، سمّته رئيساً لها، وكان من أعضائها القاضي، والأستاذ الجامعي والإداري والمحامي والضابط ورجل الأعمال والمعلم والكاهن. عيّنت لجاناً من أعضائها المؤسّسين، وضعت برامج عمل، لمواجهة كلّ ما كان ينجم عن الأحداث المؤلمة، من ويلات وتهجير وإقفال أو هدم مدارس ومستشفيات.
وأقتطف من عظة نصف الليل في قداس الميلاد عام ١٩٨٨، للأباتي في المعهد الأنطوني: “الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً. هذا النور الآتي إلينا: الله معنا، ينقل الشعب من نير العبوديّة إلى عالم الحريّة، من الحزن والكآبة إلى الفرح والسعادة. من الحرب المدمّرة إلى السلام الذي لا يزول…عندما يثور الشعب بالحقّ، ويلتقي الرأس بالقاعدة والحكم، ليطالبوا معاً بحقوقهم، ويناضلوا في سبيل الحرية والسيادة، فلا شكّ في أنّهم المنتصرون”.
كتب الكثير عن قدس الأباتي الياس في الصحف اللبنانيّة والأجنبيّة، إستلّ منها مقطعاً من مقال صدر في مجلّة “La Croix” الفرنسية في ٨ آب ١٩٨٨، بعنوان: ايلي عطاالله، كاهن لبناني: “لبنان لا يريد..” جاء فيه: “تكلّم على بلاده كمن يدافع عن متّهم، يرفضون اعتبار قضيّته وإن محقّة، لأنها ميؤوس منها. إنّ ما لا يريده لبنان، هو هذه الحرب، حرب الآخرين. إنّه لا يريد هذا الإنقسام الذي يمزّقه. إنّ ما يبتغيه اللبنانيون في غالبيّتهم، هو إعادة لملمة مكوّنات وحدته وجمعها. لبنان منذ القدم، هو ملتقى حضارات، نقطة تلاقٍ بين الشرق والغرب.
منذ بدء الحرب، وكلّ عواصم العالم تحاول الحلول محلّ لبنان في تأدية هذا الدور، ولم تفلح. ليس من السهل بمكان الاستغناء عن لبنان”.
إميل أبي نادر / النهار