احتفل البابا فرنسيس اليوم الخميس في تمام الساعة السابعة مساءً بالقداس الإلهي في بازيليك القديس يوحنا في اللاتران لمناسبة عيد القربان المقدس.
عظة البابا خلال الاحتفال الافخارستي:
“الرب إلهك… أطعمك المنّ الذي لم تعرفه أنت” (راجع تثنية 8: 2)
تشير كلمات موسى إلى تاريخ إسرائيل حين أخرجه الرب من مصر من حالة الاستعباد وقاده لمدة أربعين عامًا في الصحراء نحو أرض الميعاد. وما إن وطئت أقدامهم الأرض حتى فضّل الشعب المختار الحكم الذاتي، درجة معينة من الرفاه ونسي الشعب الأحداث المحزنة التي عاناها في ماضيه والتي استطاع أن يتخطاها بنعمة تدخّل الرب وطيبته اللامحدودة. إنّ الكتاب يحثّنا إذًا على التذكّر، تذكّر المسيرة التي قمنا بها في الصحراء، في وقت المجاعة والتعب. إنّ دعوة موسى هي العودة إلى الجوهر وإلى الاختبار والاتكال على الله عندما خلّص الإنسان حتى يفهموا بأنه “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكلّ ما يخرج من فم الربّ يحيا الإنسان” (تث 8: 3).
فبالإضافة إلى الجوع المادي، يشعر الإنسان بجوع آخر، جوع لا يمكن أن يشبعه الغذاء اليومي. إنه جوع إلى الحياة، جوع إلى المحبة، جوع إلى الأبدية. وعلامة المنّ، في اختبار الخروج، كانت تحوي هذا البعد: كانت صورة الغذاء الذي لا يمكن أن يُشبِع الجوع العميق الكامن في الإنسان. إنّ يسوع هو من يعطينا هذا الغذاء، أو بالأحرى، إنه هو الخبز الحي الذي يحيي العالم (يو 6: 51). إنّ جسده هو الغذاء الحقيقي من بين أنواع الخبز؛ إنّ دمه هو الشراب الحقيقي من بين أنواع النبيذ. إنه ليس غذاء عادي نشبع به أجسادنا مثل المنّ؛ إنّ جسد المسيح هو خبز الأزمنة الأخيرة، القادر على منح الحياة، والحياة الأبدية، لأنّ هذا الخبز هو المحبة.
في الإفخارستيا، تتواصل محبة الرب معنا: محبة فائقة، يغذينا من ذاته، محبة مجانية، جاهزة دائمًا لكل شخص جائع وبحاجة إلى إستعادة قوته. إن عيش اختبار الإيمان يعني أن نترك أنفسنا نتغذّى بالرب ونبني حضوره فينا ليس بالأشياء المادية بل على أساس الحقيقة التي لا تموت: هبات الله وكلمته وجسده.
إذا نظرنا من حولنا، نرى أنه يوجد الكثير من مقترحات للتغذية لا تأتي من الرب والتي يمكن أن تشبعنا. فالبعض يتغذّى من المال والبعض الآخر من النجاح والغرور، وآخرون أيضًا من السلطة والكبرياء. إنما الغذاء الذي يغذّينا بالفعل والذي يشبعنا هو ذاك الذي يمنحنا إياه الرب! إنّ الغذاء الذي يقدّمه الله لنا هو مختلِف عن الأغذية الأخرى ولا يبدو لنا فاتح للشهية من الأغذية الأخرى التي يقدّمها إلينا العالم.
إذًا، هل نحلم بالأطباق الأخرى، مثل العبرانيين في الصحراء، الذين حنّوا إلى اللحم الذي كانوا يأكلونه في مصر ونسوا بأنهم كانوا يأكلونه على طاولة العبودية. في هذه الأوقات من التجربة، كانوا يملكون ذاكرة إنما ذاكرة مريضة، ذاكرة انتقائية. يمكننا كلنا اليوم أن نسأل أنفسنا: وأنا؟ أين أريد أن آكل؟ على أي طاولة أريد أن أتغذّى؟ على مائدة الرب؟ أو هل أحلم بأكل أطباق شهية إنما في العبودية؟ ما هي ذاكرتي؟ تلك التي تذكّرني بالرب الذي ساعدني أو تلك التي تذكّرني بطعام العبودية؟ بأي ذكرى أشبع روحي؟ إنّ الآب يقول لنا: “لقد غذّيتك من المنّ الذي لا تعرفه”. لنعيد إيجاد ذاكرتنا ولنتعلّم كيف نتعرّف على الخبز الفاسد الذي يغري ويفسد، لأنه ثمرة الأنانية والرضى عن النفس والخطيئة. سوف نتبع يسوع بعد قليل في الزياح الحاضر حقًا في القربان. نحن نملك المنّ الذي من خلاله يأتي الرب إلينا. دعونا نستدير صوبه بثقة: يا يسوع، إحمنا من تجارب الغذاء الدنيوي الذي يجعل منا عبيدًا؛ طهّر ذاكرتنا حتى لا تبقى أسيرة الانتقاءات الأنانية والدنيوية بل حتى تصبح ذاكرة حية من حضورك طوال تاريخ شعبك، ذاكرة تكون “تذكارية” للفتة حبّك الخلاصي. آمين”.
* * *
نقلته إلى العربية ألين كنعان – وكالة زينيت العالمية