لا يحق للمسيحيين أن يجتمعوا أو يتضامنوا وخصوصاً الموارنة منهم، فهذا أمرٌ غير ميثاقي وغير وطني ولا يجوز غض النظر عن هذا الامر الفظيع، لأنّه يلحق الأذى بما تبقى من الوطن والدولة.
على الموارنة أن يبقوا متخاصمين منقسمين، وعلى الآخرين السطو على حقوقهم وشل قدراتهم، بهذا يستقيم الوطن والميثاق.
يحق للطوائف الإسلامية اللبنانية الكريمة أن تقدّم من تشاء وترغب إلى السلطة والادارة من دون أن يكون لأحد الحق في الاعتراض أو إبداء الرأي، أمّا إذا تعلّق الأمر بالمسيحيّين، وتحديداً بالموارنة، فعلى الآخرين أن يقرّروا عنهم أو على الأقل أن يشتركوا في تقديم الأسماء بعد غربلتها، وإلا ستكون الاعتراضات مدوّية ومجلجلة.
اتفق الآباء الأوائل مسلمين ومسيحيين على جعل لبنان وطناً للجميع موزّعين الحصص على كل طوائفه ومجموعاته، وهذا ما سمّوه الميثاق الوطني أو الصيغة، وكان القصد من ذلك إبراز وجه لبنان الإنساني الجامع وإظهار الطوائف اللبنانية حلقات متضامنة ومتجانسة في بناء مجتمع مركّب ومتعدّد تحت سقف الحرية والعدالة والأخاء.
الآباء الأوائل عملوا جادين على إرساء التوازن بين الجماعات وجعل لبنان أنموذجاً متقدّماً لما تكون عليه المنطقة العربية من دون أن يخرجوه من التضامن مع محيطه، عاملين على إبقائه صلة وصل بين المتخاصمين العرب، جاعلين وحدة وطنهم واستقراره وأمنه خطاً أحمر. لم يكن الميثاق لعبة سخيفة ولم تكن الصيغة متخلفة عن ركب التطور والتقدم، لقد أكّد صنّاعها أنهم أذكياء بما يكفي، وأن نظرهم يذهب الى البعيد لأنّهم أدركوا جيداً واقع حال هذه المنطقة وما تحتويه من عصبيات ونزاعات وروح قبلية متجذرة، وهذا كلّه يشكّل عائقاً أساسياً للتقدّم والتطوّر واللحاق بركب الدول التي تعطي أبناءها ما يستحقونه من رعاية وعناية.
إنّ الشلل الحاصل في البنية السياسية الوطنية يعود بمعظمه إلى اللحاق بعصبيات هذه المنطقة وعدم إيلاء الشأن الوطني ما يستحقه من معالجة واهتمام.
لم تستطع اسرائيل هدم الصيغة اللبنانية، بالرغم من محاولاتها الجادة والمستمرة، لكن استطاع بعض اللبنانيين ضرب هذه الصيغة من الداخل يوم تناسوا أن لوطنهم الحق في الحياة، وأنّ لأبنائه الحق في العيش الكريم وبسلام. إنّ تدمير الميثاق والصيغة تم بأيدٍ لبنانية خرجت عن المواثيق والأعراف وقيم العدالة والسلام وأرست قواعد سلوك لا تليق حتى بقطّاع الطرق والخارجين عن القانون. لقد اُهمل البيت الوطني واُهملت حقوق أبنائه في الصحة والسعادة والتعليم، وتحوّل هذا البيت مكبّاً لكل شذاذ الآفاق ومخيماً فسيحاً يرتاده الأقربون والأبعدون من دون رقيب أو حسيب، ناهيك عن العروض المغرية لشراء مدنه وجباله وسواحله. إنني لا أطالب بعودة صلاحيات ونقل سلطات من هنا إلى هناك، انني أشدّد على عودة الممارسة السياسيّة والوطنية الى نطاق الاخلاق والأسس الإنسانية، إلى معاملة الناس بالعدل والاحترام، إلى الكيل بمكيال واحد، إلى إعطاء الدولة الحق في مزاولة مهنتها كأم وراعية ومعلمة، إلى وقف السرقات والنهب المنظّم الموصوف، إلى ردع التعدّي على قوانينها وأنظمتها، الى مراقبة مناهج الدراسة في مدارسها، إلى ابعاد المذهبية والطائفية عن موظفيها وأمنييها.
ليس المسيحيون أم الصبي، جميع طوائف لبنان وجماعاته هم أيضاً أم الصبي. لا يمكن ربط لبنان بمصير المنطقة المحيطة به، ثم القول علينا العمل على قيامة الوطن والدولة. هذا أمر مستحيل وعلى العقّال في المجموعات اللبنانية المسلمة، خصوصاً، اقناع المتطرّفين بأنّ الضرر كبير خاصة بعد فتح شهيّات الدول الكبرى وقتل كل المبادرات الرامية الى إخراج هذه المنطقة من آتون النار والدمار.
الضرورة ملحّة في جمع أقطاب لبنان لإرساء قواعد لعبة جديدة، طموحها الأول وقف انهيار الدولة والوطن، وإعادة تصويب اللعبة القاتلة باتجاه إحياء نقاط القوة وهي كثيرة.
نحن لا نتوهّم مطلقاً أن الرئاسة الأولى ستستعيد الوطن وتوقف سرقة الدولة، لنا مع رؤساء الجمهورية تجربة مرة، فمعظمهم اغفل القسم وغيّب الإصلاح ولم يعر اهتماماً بأبناء طائفته. وبالرغم من هذه التجربة المرّة نبقى على موعد مع رئيس يضع برنامج عمل ويشرك اللبنانيين باعادة ترميم واعادة بناء الثقة وطرح الموضوعات الملحّة بكل جدية وشجاعة، فإن نجح كان الأمر خيراً، وإن لم ينجح فيترك حتماً بصماته، الى أن تأتي نخبة سياسية يسكنها الله ويسكنها هاجس الإنسان. حينها تكون قيامة الدولة والوطن.
الرئيسية | أخبار الكنيسة | على المسيحيّين أن يبقوا متناحرين للسطو على حقوقهم بقلم الخوري اسكندر الهاشم
الوسوم :على المسيحيّين أن يبقوا متناحرين للسطو على حقوقهم بقلم الخوري اسكندر الهاشم