بقلم د. ايلي مخول
وَلَكِنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يَحُلُّ عَلَيْكُمْ ويهِبُكُم الْقُوَّةَ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَالْيَهُودِيَّةِ كُلِّهَا والسَّامِرَةِ، وَإِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ.
أعمال 1، 8
فقال بُولَس: “أنا رجُلٌ يَهوديُّ وُلِدتُ في طَرسُوس، من كِليكيَّة، لكني نشأتُ هنا في هذه المدينة…”. “فجاء بولُسَ إليهِما، وأقام عندهُما، لأنه كان من أهل صِناعَتهِما، صِناعةِ الخِيامِ”. (ترجمها لوتر “صِانع السجّاد”). أعمال 21، 39؛ 18، 3
لم تحافظ طرسوس، وهي بلدة تعدّ 20000 نسمة وتقع عند سفح جبال طوروس في جنوب تركيا، على شيء من بهائها آنذاك. بولس أشاد بموطنه صوابًا؛ والحَقُّ أن هناك نقش يسمي طرسوس “حاضرة كيليكية العظيمة والرائعة”، ويذكر الجغرافي اليوناني سترابو (63 قبل الميلاد إلى 20 للميلاد) أن ثمّة في طرسوس جامعة تضاهي في أهميتها جامعة أثينا أو الإسكندرية. الفيلسوف أثينودورُس، المعلّم الشهير للإمبراطور أوغسطس، كان واحدا من أبناء تلك المدينة. ما تبقى من كل ذلك هو صناعة قُماش الخيام. أمّا المواد فتوفرها، كما في عهد بولس، قطعان الماعز التي تعيش في جبال طوروس، المكسوّة بالثلج حتى شهر أيار، والتي ينمو لها جلد سميك رائع.
لم تكن الرحلات الطويلة عن طريق البحر والبر، كتلك التي قام بها بولس، نادرة في أيامه. أمّا الطرقات الرومانية فكانت الأفضل من نوعها كالتي عرفتها أوروبا الغربية بالذات قبل أن يبدأ بناء سكة الحديد في القرن التاسع عشر. في نقش (كتابة) على قبر تاجر من فريجيا يقع في قلب تركيا اليوم، يُلاحظ بفخر أنه سافر في حياته إلى روما بمفرده اثنتين وسبعين مرة. “الشوارع الإمبراطورية” الصاخبة والمُصانة جيدًا كانت مجهّزة بمحطات لتغيير العربات والخيول. المضائف (الفنادق البسيطة) والمطاعم كانت توفّر للمسافرين الراحة والمرطِّبات. وكانت قوة من الشرطة الخاصة تزاول تأمين الشوارع ضد هجمات اللصوص.
كذلك ساهمت شبكة الطرق الممتازة في الإمبراطورية الشاسعة – وهي تحفة فنية وتنظيمية للرومان – واللغة اليونانية التي استطاع بولس استخدامها أيضًا في جميع تنقلاته، في الانتشار السريع للمسيحية. في القرن التاسع عشر راح عدد من العلماء يبحثون عن تلك المدن في آسيا الصغرى التي تبدو أسماؤها جِد مألوفة لدى المسيحيين والمذكورة في أعمال الرسل ورسائل بولس. أين تقع الأماكن التي منها وُجّهت إلى سكانها “الرسالة إلى أهل غلاطية” الشهيرة؟
في العام 1833 اكتشف فرانسيس أرونديل، القسيس البريطاني من سميرنا، “أنطاكيةَ في بيسيديةَ” (أعمال 13، 14) القريبة من مدينة يالواتش التركية. شمالي طوروس عند منحدرات جبل السلطان داغ المهيبة تتعانق أقواس الجسور القوية نزولاً مع الوادي. في أوائل العشرينات من القرن الماضي، وقف باحثون من جامعة ميشيغان مذهولين أمام بقايا آثار ولا أروع. في وسط البلدة القديمة كشفت المجاريف عن رُواق سُلَّم نُصِبت فوقه ثلاثة أقواس النصر. وتصف نقوش بارزة مُثيرة للإعجاب انتصارات الإمبراطور أوغسطس قرب أكتيوم. ويذكر إفريز مع بوسيدون وتريتون ودلفينيا انتصار أوغسطس البحري في أكتيوم. في الأحياء الرومانية لا تزال طاولات القمار التي كان يقضي عندها الجنود سُوَيعات الراحة في مكانها. هنا وجد الباحثون أنفسهم أمام أنطاكية التي ورد ذِكرُها كثيرًا وحيث وبَشَّر بولُسُ وبَرنَابا في دَرْبة وكسَبا (أعمال 14 ، 21) أثناء رحلته التبشيرية الأولى.
وانتَقلا إلى إيقونيَةَ … إلى لِسترة ودَربة والمُدن المُجاورة لهما في ولاية لِيقونيَة، وأخذا يبشِّران هناك بالإنجيل المقدس.
(أعمال 13، 51؛ 14، 6، 7)
كانت كونيا (أو قونيا) التي تبعد مئة كيلومتر جنوب شرق أنطاكية والمحطة الرئيسة لسكة حديد الأناضول، مكان عمل بولس. في العام 1883 تتبّع البروفسور ألأميركي جون روبرت سِتلينغتون سْتِريت
أثرَ مذبح في منطقة جبلية تبعد أربعين كيلومترًا إلى الجنوب. لوح حجري سميك يحمل نقشًا باللاتينية يشير إلى وجود مستعمرة رومانية سابقا في هذا الموقع؛ فظهر إسم لِسترا.
بعد سفَرِ يوم إكتشف سْتِريت أيضا مدينة دَربة القديمة. كانت المدن الأربع أنطاكية، إيقونية، لِسترا ودَربة تنتمي، في زمن بولس، إلى مقاطعة غلاطية الرومانية، موطن “الغلاطيين”.
في قبرص ظهر نقش روماني بالقرب من مدينة بافوس القديمة. هو يذكر سَرجِيوس بولس، حاكم الجزيرة الذي كان “ رجلاً عاقلاً”.
(أعمال 13، 7).
كذلك تكتسب الأحداث المضطربة على نحو ما يصفها العهد الجديد من أفَسُس شكلًا مُمَيَّزَ المعالم، من خلال عمل علماء الآثار الذين لا يعرف الكَلل.
لأنَّ صانِعًا إسمُه ديمتريوسُ كان يَصنعُ هَياكل مِن فِضّةٍ تُمثِّل هيكَلَ الإلهة أرطاميس، فيَكسِبُ الصُّنّاعُ مِن ذلكَ مالاً كثيرًا. فجمَعَ بَينهُم وبَين زُمَلائهِم في هذِه الصّناعة وقال لهُم: “تعرفون، أيها الإخوان، أن رَخاءَنا يقومُ على هذه الصِّناعة. فأنتُم رأيتُم وسَمِعتُم كيف أقنعَ هذا المدعوّ بولُس وأغوى كثيرًا من الناس هنا في أفَسُسس وفي معظمِ أنحاءِ آسيةَ بقَولِهِ إن الآلهةَ التي تصنعُها الأيدي ما هي آلِهة. وهذا خطَرٌ يؤدّي إلى الإستِهانة بصِناعتِنا، لا بَل يعَرِّضُ هيكَل الإلهة العظيمة أرطاميس للإزدِراء ويهدّدُ عظَمتَها بالإنهِيار، وهي التي يعبُدُها جميعُ الناس في آسيةَ وفي العالمِ كلِّه. فلَمّا سمِعَ الحاضِرون هذا الكلام غضِبوا كثيرًا وأخذوا يَصيحون: “العظَمة لأرطاميس، إلهة أفسسُس!” وعمَّ الشغَبُ المدينةَ كلَّها. فهجموا دَفْعةً واحدة على غايُوس وأرسْتَرخُس، وهُما مكدونيّان يُرافِقان بولُس في رِحلته، وجرّوهُما إلى ملعبِ المدينَة (أعمال 19، 24-29)
أثار هذا التقليد رغبة المهندس الإنكليزي جون تِرتِل وود في البحث عن معبد أرطاميس (“أرطاميس” اليونانية، إلهة الصيد، أطلق عليها الرومان اسم “ديانا”)، الذي ذاع صِيتُه في العصور القديمة. وبالفِعل فإن المتحف البريطاني قد أخذ على عاتقه تمويل المشروع؛ في أوائل أيار 1863، نزل وود إلى الساحل المقابل لجزيرة ساموس. لو لم يكن مُولَعًا بهدفه ومثابرًا بشكل لا يصدَّق لما استطاع تحقيقه أبدًا. فعلى مدى ست سنوات راح يحفر بالعُمق، بلا مَلل، في الموقع القديم بين بقايا الأسوار القديمة، عَبّارة تِلو أخرى – دون جدوى. في نهاية الأمر إنتقل إلى الحفر في المدرَّج القديم، “مسرح” الاضطرابات، هنا تلقّى الإشارة التي وضعته على الطريق الصحيح.
يَذكُر نقشٌ عدة أشكال لأرطاميس يراوح وزنها من 2 إلى 6 أرطال من الذهب والفضة تم تقديمها هدية للإلهة وأُودِعت المعبد. لقد وجّه غرور ذلك المانح الروماني المهندس وود دون تكلُّف إلى الهدف الذي كان يحلم به. ولكي يثير إعجاب عدد كبير من الناس بموهبته، حدّد بدقة الطريق الذي سيسلكه موكب احتفالي في عيد ميلاد الإلهة من المعبد إلى الاحتفال في المدرّج والعودة مرة أخرى.
الدخول عبر بوابة مَغنيسيا… بحث المهندس وود عن البوابة ووجدها، سَلك الطريق الموصوف، وأوشك على الوصول إلى الموكب على بعد ميل شمال شرقي المدينة، وبالتالي إلى هدفه الذي تابعه بعناد.
تحت سبعة أمتار من الخرائب والأطلال يقع على بلاط رائع وقواعد أعمدة ضخمة ومِدَقّات (الواحدة مِدَقة: قاعدة أسطوانية لساق عمود) حجرية عظيمة مزدانة بالتماثيل: إنه معبد أرطاميس!
دينوكراتِس، المهندس المعماري الإسكندري الشهير، صمم الحرَم، والإسكندر الكبير أمر بإنجازه والحفاظ على روعته لدرجة أنه كان يُنظر إلى المعبد في العصور القديمة على أنه وأحد من “عجائب الدنيا السبع”.
يبلغ طول الأساس 120 مترًا وعرضه 80 مترًا، ألواح من الرخام الأبيض تغطي السقف، ويدلّ مئة عمود بارتفاع 20 مترًا لكل منها على الطريق إلى المعبد المزين ببذخ من الداخل بمنحوتات ولوحات وزخارف ذهبية.
بعد ثلاثين عامًا، تحت المذبح المكسور، اكتشف ديفيد هوغارث، أحد مواطني المهندس وود، عددًا كبيرًا من تماثيل الإلهة صنعها من البرونز والذهب والعاج والفضة، زملاء حرفيون لأولئك “العاملين الملحقين الذين أشير إليهم في رسالة بولس إلى أهل أفَسس، أنهم شعروا بتهديد لقمة عيشهم فصرخوا في وجه ديمتريوس: عظيمة هي ديانا إلهة أفسس!
فَمّا رأى بولُسُ هذِهِ الرُّؤيا … طَلَبنا السّقَرَ في الحال إلى مكدونيَّة، مُتيّقِّتينَ أن اللّهَ دَعانا إلى التَّبشيرِ فيها. فرَكِبنا السَّفينةَ مِن تَرُواس. أعمال 16، 10، 11.
من هناك حيث انتصبت فيما مضى شامخة قلعة بريام الطروادية، صعد بولس إلى سفينة شراعية في رحلته الأولى إلى أوروبا. في قرية كافالا لصيد الأسماك (نيابوليس القديمة) وطأت قدماه البَرَّ الأوروبي وسلك طريق إغناتيا القديم صعودًا في جبال مقدونيا البرية إلى فيليبي.
مَن يَذكرعند سماع اسم هذه المدينة الكلام المشحون بالنُّذُر “سنلتقي في فيلِبّي”، حيث سجلت كتائب أنطونيوس وأوكتافيوس الشاب عام 42 ق. م. انتصارًا باهرًا على قتلة القيصر، بروتوس وكاسيوس، اللّذَين حاولا إنقاذ جمهورية روما من الديكتاتورية؟ لكن من كان يظن بأن بولس قد أسّس للمسيحية عند أسوار فيلبي أول مجتمع لها على التراب الأوروبي!
بناء على المعلومات المحددة الواردة في أعمال الرسل كشف علماء آثار فرنسيون عن المستعمرة الرومانية؛ وجدوا الميدان القديم والمعابد والمباني العامة والأروقة والشوارع والساحات المرصوفة بالحصى مع أنابيب تصريف مياه الأمطار التي لا تزال سليمة حتى اليوم. عند المخرج الغربي للمدينة كانت قُبّة البُوابة الإستعمارية تعلو شارع إبغناتيا الذي يمتد على طول مجرى نهر غانجيت الضيق سريع التدفق. وفي يومِ السَّبت خرَجنا من المدينةِ إلى ضَفَّةِ النهر، مُتوَقِّعينَ أن نَجِدَ هُناك مكانًا لِلصَّلاة (أعمال 16، 13).
عند ضفة نهر غانجيت، كانت لِيديَّةُ، بائعة الأرجُوان، أوّل مَن هداها بولس إلى عبادة اللّه.
عبر تيسالونيتش (سالونيكي اليوم) وأثينا، حيث أمضى فترة قصيرة في التبشير، توجه بولس إلى كورنثوس.
قطعت الحفارات فجوة ضيقة في البرزخ الذي يربط البيلوبونِس بالبر. فحققت في العام 1893 ما خطط له رجلا ن مشهوران من العصور القديمة، الإسكندر الكبير ويوليوس قيصر. حتى أن نيرون قد بدأ عام 63 م. في تنفيذ المشروع.
بعد مرور ثلاث سنوات على عبور أول سفينة عبر القناة الجديدة، بدأت المدرسة الأميركية للدراسات العلمية بالبحث عن مركز كورنثيا الشهير للتجارة والشحن، حيث تلتقي البضائع من الشرق الأدنى القديم وأوروبا. هنا أيضًا، يتتبّع علماء الآثار خطى بولس في الأماكن التي يمكن أن تخبرنا عن عمله، ما لم تكن صامتة.
كان طريق ليشُويم الذي يبدأ من الميناء الغربي يقود إلى قلب مدينة كورنثيا القديمة. ويُفضي تحت القوس الرخامي العظيم لبوابة الرُّواق ( Προπύλαια Propýlaia) إلى ساحة السوق المسماة أغورا. هنا كان يقع أنذاك غربي شارع ليشاوم، Λεχαῖον) Lechaeum )،
الحي التجاري الذي انتصبت أمام دكاكينه أعمدة تصل إلى أدراج معبد أبولو. إلاّ أن ما أثار بالفعل إعجاب الأميركيين المهتمين بالصحة هو نظام مبتكر من الأنابيب الممتدة تحت تلك المنازل التي تحدُّها ساحة السوق العريضة المرصوفة بالحصى بشكل رائع. يبدو أنها كانت تزوّد باستمرار الدكاكين بمياه جبلية عذبة لتبريد الأطعمة القابلة للتلف. هناك في هذا الموقع نقش يرقى إلى السنوات الأخيرة من عهد الإمبراطور أوغسطس يتحدث حرفياً عن “سوق اللحوم”! في هذه الدكاكين كان يُسُمح للمسيحيين في كورنثوس التسوّق دون تردد … فقد نصح بولس جماعته بقوله:
… كُلوا مِنَ اللَّحمِ كُلَّ ما يُباعُ في السُّوقِ. كورنثوس الأول 10، 25
على أدراج الرُّواق الرخامية ( Προπύλαια Propýlaia)، فك المنقبون كلمات “كنيس العبرانيين” محفورة بأحرف يونانية واضحة على لوح حجري ثقيل. بالقرب من شارع ليشاوم على الجانب الآخر من الأعمدة كان يوجد المنزل الذي أعلن فيه بولس العقيدة الجديدة. إذ انه كان في كُلِّ سبت يُجادِلُ اليَهودَ واليونانيِّينَ في المَجمَعِ مُحاوِلاً
إقناعَهُم. (أعمال 18، 4).
بين أنقاض العديد من المنازل في الحيّ نفسِه، كان يوجد بالتأكيد بيت يُوسْتوس الذي قصَده بولس. هذا البيت مُلاصقٌ للمَجمَع.
(أعمال 18، 7)
في نهاية الأمر وجد الباحثون في ]ساحة[ السوق منصة مرتفعة، تقول النقوش اللاتينية إنها تمثل ‘روسترا’، مقرّ المحكمة. ولَمّا صارَ غاليّون حاكِمًا على أخائيّةَ، تحمَّعَ اليهودُ كلُّهُم وهجَموا على بولُسَ وساقوهُ إلى المحكمَة، وقالوا: “هذا الرجُلُ يحاوِلُ أن يُقنِعَ الناسَ بأن يعبُدوا اللّهَ عِبادةً تُخالفُ الشّريعةَ.” فأراد بولسُ أن يتكلَّمَ، فقال غاليّون لليهود: “أيها اليهود: لو كان في المسألةِ جُرمٌ أو جِنايةٌ، لَسمِعتُ شكواكُم كما يقضي الحَقُّ… ولأنّي لا أريدُ أن أكون قاضيًا فيه”. وطرَدهُم من المحكَمة. (أعمال الرسل 18، 12-16).
لقد مكّنت الإستعادة التفصيليّة لمشهد المحكمة من تحديد الوقت بالضبط عندما كان بولس موجودًا في كورنثوس. لوسيوس يونيوس آنّيوس نوفاتوس غالِّيو – هذا هو الاسم الكامل للحاكم – كان سليل أسمى العائلات. خصّص له شقيقه لوسيوس آنِّيوس سينيكا، الفيلسوف الروماني العظيم ومعلّم نيرون، كتابين: من غضب و من حياة مباركة (دي إيرا و دي فيتا بَياتا De Ira, De Vita Beata)). أمّا الشاعر ستاتيوس فأسماه”غالّيو الجديرُ بالحُبّ”.
في دلفي القديمة، ظهرت من جديد رسالة للإمبراطور كلاوديوس تشير إلى أن غالِّيو كان مقيمًا في كورنثوس من 51-52 م. تحتوي الرسالة على عبارة “كما كتب لوسيوس يونيوس جالّيو، صديقي ونائب قنصل آخائيَة (مقاطعة رومانية كانت بيلوبونِس تسمى ‘آخائية’) …” ومؤرَّخة من بداية العام 52. وفقًا لمرسوم صادر عن كلاوديوس، يترتب على الموظفين الحكوميين المعيَّنين حديثًا مغادرة روما إلى مقاطعاتهم في الأول من حزيران؛ بالتالي يكون غالّيو قد وصل إلى أخائيّة مطلع تموز 51. أمّا بولسُ فأقام سَنةً وسِتَّةَ أشهُرٍ يُعَلِّمُ الناسَ كلامَ اللّه (أعمال 18، 11)، إلى أن تجمّع اليهود كُلُّهم وهجَموا على بولُسَ وساقُوهُ إلى المَحكمَة. إذَن من المحتمل جدًا أن يكون الرسول قد جاء إلى كورنثوس في مستهلّ عام 50.
بعد عامين من موت المسيح على الصليب، سارع شاوُل الطرسوسي الذي كان يضطهد كل من يدعو باسم الرب، إلى التبشير في المجامع بأن يسوع هو ابنُ اللّه. وبعد ثلاثين عامًا بالضبط، قام المهتدي العظيم وناشر تعاليم يسوع برحلته الأخيرة، هذه المرة كسجين. فستوس، الوالي الروماني على اليهودية، يشغل منصبه منذ عام 61؛ سلَّموا بولُسَ وبعضَ المسجونينَ إلى ضابطٍ من الكتيبةِ الآمبراطورية اسمُهُ يوليوس ووُجهتُهُم رومَةَ (أعمال، 27، 1). هناك أَذِنَتِ السُّلطاتُ لِبولُسَ أن يَسكُنَ وَحدَهُ مع الجُند يِّ الذي يَحرُسُهُ
(أعمال 28، 16).
… ودخلَ بولُسُ المَجمعَ فأخذَ يتحدَّتُ بجُرأةٍ عن ملَكوتِ اللّهِ …، يجادِلُ الحاضِرينَ ويُحاولُ إقناعهُم… ودامت هذهِ الحالُ مُدّةَ سنتَينِ، حتي سمِعَ جميعُ سُكّانِ آسيةَ من يهودٍ ويونانيّينَ كلامَ الرَّبِّ.
(أعمال 19، 8 – 10).
بهذه الكلمات من أعمال الرسل تنتهي رواية لوقا.
في ظلِّ اضطهاد المسيحيين الذي مورس في عهد نيرون. إستشهد بولس. وكونه مواطنًا رومانيا، لم يمت على الصليب مثل بطرس، بل سقط بالسيف.