وقد نشرته مجلة “لافي” la vie الفرنسية. ننشر في ما يلي القسم الثاني من المقالة التي بدأناها يوم أمس.
***
لقد واجهت ملابس البابا فرنسيس الكثير من التعليقات، وأيضًا سلفه بندكتس السادس عشر واجهها قبله. يختلف فرنسيس تماما عن سلفه. ألا يشكل أسلوبه البسيط والمباشر قاسمًا مشتركًا مع يوحنا بولس الثاني؟
من حيث الأسلوب، يملك كل بابا أسلوبًا مختلفًا. البابا بندكتس السادس عشر كان متعلقًا دائمًا بجمال الليتورجية. بالنسبة إليه، على الاحتفال أن يكون جميلا: هذا أقل ما يجب أن يكون حين ننشد للرب! من الواضح أن انشغالات البابا فرنسيس ليست نفسها، الحذاء الأحمر، التاج الاحتفالي، الاحتفال الضخم الذي يبدأ بشكل معين، هذا كله لا يعيره فرنسيس اهتماما. كان يوحنا بولس الثاني هكذا: حين وصل من بولندا كان قلقًا على الأصالة أكثر من الجمال، وكان فيه ما يربك فعلا! لنتذكر أنه طالب بحفر بركة سباحة في كاستل غوندولفو حين وصل، كان بابا رياضيًّا يسير في الجبال مرتديًا حذاء رياضيًّا، في الواقع كان رجلا عمليًّا ويبدو أن فرنسيس هكذا أيضًا.
على الصعيد الروحي، هل نلمح أي تقارب بين البابوين؟
إن التشابه الكبير بين البابوين يكمن في تعبدهما لمريم العذراء، كل واحد منهما شعر بالحاجة اليها، هي تشكل جزءًا من حياتهما، فيستقظ الإثنان باكرًا ويغرقان في الصلاة لساعة أو ساعتين، هذا “خبزهما اليومي!” كل البابوات رجال الله، ولكنهم لا يعبرون عن ذلك بالطريقة عينها. هذا البعد لا يراود أذهاننا مثلا حين نفكر ببولس السادس أم ببندكتس السادس عشر ولكن هذا لا يعني بأنهما كانا لا يصليان! بين البابا يوحنا بولس الثاني وفرنسيس الموضوع جسدي تقريبًا: نشعر وكأنهما يمتلكان إيمانًا من حجر، ويغذيان أعمالهما بالمحبة. راعيان يمتلكهما الحماس، هما ليسا من المتأملين، في حين أن بندكتس السادس عشر كان يتمتع أكثر بأسلوب “الترهّب” بين البيانو وكتبه! ولكن هنا وأنا أشير الى الأساليب المختلفة أدعو الى الحذر: لا يوجد شيء أكثر جرأة من الحكم على البعد الروحي والبحث في مكنونات قلب أي بابا!
اعتبر الكثيرون أن البابا فرنسيس بإمكانه أن يغير الكنيسة…هل كان هذا الحال عينه حين انتخب يوحنا بولس الثاني في 1978؟
بلا أدنى الشك. التغيير الأول هو أنه ليس إيطاليًّا، أما الثاني فكان بأنه شاب، والثالث أنه كان يأتي من بلد تعتبر فيه الكنيسة محافظة ولكن مع مفهوم إصلاحي. بعد ذلك حين بدأ يتحدث فهمنا أنه يأخذ الكنيسة في مسيرة جديدة، ترتكز على حقوق الإنسان. فلنتذكر رسالته الأولى “فادي الإنسان” ومن ثم سفراته الأولى. كانت الكنيسة دائما حذرة جدًّا في موضوع حقوق الإنسان، وها هو فجأة بابا من بلد شيوعي يعطي الموضوع أولوية. بالتأكيد لم يشن البابا حملة صليبية لمحاربة الشيوعيين ولكنه نادى : “لا تخافوا”، “شرعوا الأبواب للمسيح”…وأي سلاح يملكه البابا غير سلاح الكلمات؟ البابا هو صوت الكنيسة، هو “نبي أعزل”: فنه هو الرموز، الحركات، الصور، ويقبع في حقل الرحمة والقناعة والرجاء، بهذا كله كان البابا يوحنا بولس الثاني محاورًا عظيمًا!
برأيكم هل البابا فرنسيس هو كذلك أيضًا؟
هذا البابا يعرف بدوره قوة الكلمات والحركات، حين يقرر أن يسكن في دار القديسة مارتا، حين يسلم على كل المؤمنين الذين أتوا للمشاركة بالقداس، حين يرفض السيارة البابوية فور وصوله الى ريو دي جانيرو، حين يتصل بالأشخاص…نحن نتحدث عن السلوك على الرغم أن ذلك لا يغير شيئًا في الجوهر. يجب أن نفهم بأن البابا لا يمكنه أن يمس بعقيدة أم بمذهب ما: كل بابا وقبل كل شيء هو متابع، أي “محافظ” مهنته تقتصر على أن يكون وريثًا، للوحي، لرسالة الإنجيل، وللإستمرارية الرسولية.
منذ مساء يوم انتخاب البابا فرنسيس بدأت المقارنة: كان لدينا بابا الرجاء (يوحنا بولس الثاني)، وبابا الإيمان (بندكتس السادس عشر) ولدينا اليوم بابا المحبة (فرنسيس). شخصيًّا أجد هذه الصيغة جميلة، إنها تختصر بشكل جيد آخر ثلاث بابوات.
نصف يوحنا بولس الثاني ببابا الرجاء وهذا صحيح تماما، وبندكتس البابا اللاهوتي بابا الإيمان، وأخيرًا البابا فرنسيس، بابا المحبة، وهذا ما يظهر جليًّا حين نتأمل تصرفاته وكلماته، ليس من الضروري أن يتشابه البابوات، ولكن تواليهم هو الذي يشكل تاريخ الشعب المسيحي.
***
نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية