19 يوماً فقط كانت فاصلة بين رحيل الصديقين.
في 21 آذار الفائت رحل بطريرك السريان الأرثوذكس اغناطيوس زكا الأول (عيواص) إبن الموصل في العراق، حزيناً على شرق جميل وأمس رحل البطريرك السابق لبابل على الكلدان عمانوئيل الثالث دلي (87 عاماً) إبن تلكيف في العراق، حزيناً على شرق اصطبغ بالدم ولا يتوقف نزفه.
والبطريرك دلي كان انتخب بطريركاً للكلدان في 4 كانون الأول 2003 على أثر وفاة البطريرك روفائيل الأول بيداويد. وهو تلقى دروسه عند الراهبات الكاترينات في الموصل ثم في معهد شمعون الصفا الكهنوتي، وأرسل على الأثر إلى روما حيث درس اللاهوت والفلسفة في كلية بروبغندا، ورسم كاهناً عام 1952في روما، قبل أن ينال إجازة في الفلسفة في الجامعة الأوريانية، ثم الدكتوراه، ويعود إلى العراق حيث عيّنه البطريرك بولس الثاني شيخو كاتم أسرار البطريركية، ثم انتخبه مجمع الأساقفة الكلدان المنعقد في روما معاوناً للبطريرك، وسامه البطريرك شيخو أسقفاً عام 1963. يتقن الكلدانية والفرنسية والإيطالية واللاتينية والإنكليزية، ويلم بالألمانية واليونانية، وله مؤلفات عدة. وظل معاوناً بطريركياً للبطريرك شيخو، وبعد وفاته للبطريرك بيداويد الذي انتخب عام 1989.
والبطريرك دلي الذي اتصف بالهدوء والتواضع والمسامحة وعيش حياة كنسية متقشفة ومن دون بهرجة كما يلاحظ فيه عارفوه عن قرب، أو مواكبون له في أسفاره، عاش آلام شعبه وكنيسته وأكثر ما آلمه نزف وطنه العراق الذي أحبه، وعدم القدرة على وقف هذا النزف.
وكما في عمله الراعوي، كان عمانوئيل دلي نشيطاً في مؤتمرات كنسية ووطنية عدة شارك فيها، وحكيماً ومرجعية للرأي السديد في المواقف الصعبة، لا ينفعل، لا يتذمّر، تنصت اليه بكل الأحاسيس عندما يتكلـّم. وقد يكون هدوؤه واتزانه وحكمته، حملته إلى السدة البطريركية وهو مستقيل من الأسقفية. إذ قدم استقالته من منصب أسقف معاون بطريركي لدى بلوغه الخامسة والسبعين عملاً بقانون الكنائس الشرقية الذي يسري على المطارنة وقُبلت الاستقالة في 19 تشرين الأول 2002، وعينه البطريرك بيداويد مستشاراً للبطريركية ومسؤولاً عن الأوقاف في 10 كانون الأول 2002، قبل أن ينتخبه مجمع أساقفة الطائفة المنعقد في روما برئاسة البابا يوحنا بولس الثاني بطريركاً للطائفة في 3 كانون الثاني 2003 وكان في السادسة والسبعين، أي بعد سنتين على تقاعده “القانوني”، إلا أن المرض والعجز حملاه على الاستقالة بعد عشر سنين على تبوئه السدة البطريركية، ليخلفه رئيس أساقفة كركوك في إقليم كردستان – العراق المطران لويس ساكو بطريركاً في المجمع المنعقد في روما في أول شباط 2013.
حسرة العراق غيّبت بطريركين من أبنائها في 19 يوماً، وكلاهما بعيد عن تراب وطنه، فالأول في ألمانيا والثاني في الولايات المتحدة.
حبيب شلوق / النهار