دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اللبنانيين، الى عدم الخوف، وقال: “لا تخافوا، نحن لن نترك السفينة وسنقوم بعملية انقاذ لجميع من هم على متنها”، وأكد “نحن موجودون هنا ولسنا معتادين على التخلي عن مسؤولياتنا”، وشدد على انه “في زمن سابق، واجهنا الدبابة والطائرة والمدفع ولم نخف. وكنت هنا في بعبدا الى جانبكم. نحن لن نترك بعبدا ولن نجعل احدا يسيطر على لبنان”.
مواقف الرئيس عون جاءت خلال كلمة القاها خلال مأدبة غداء اقامتها الرهبانية الانطونية بعد القداس الالهي الاحتفالي بعيد شفيعها القديس انطونيوس في دير مار انطونيوس الكبير في بعبدا، شارك فيهما رئيس الجمهورية واللبنانية الاولى السيدة ناديا الشامي عون.
القداس
وترأس القداس الرئيس العام للرهبنة الاباتي مارون ابو جودة وعاونه فيه رئيس الدير رئيس المعهد الأنطوني الاب جورج صدقة وعدد من المدبرين العامين، في حضور الوزيرين في حكومة تصريف الاعمال الخارجية والمغتربين جبران باسيل وعقيلته والشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي، النائبين الان عون وحكمت ديب، النائب السابق ناجي غاريوس، رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد، قائد الجيش العماد جوزاف عون وعقيلته، روي الهاشم وعقيلته المستشارة الرئيسية لرئيس الجمهورية ميراي عون الهاشم، المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير، محافظي بيروت القاضي زياد شبيب والشمال القاضي رمزي نهرا، قائد الدرك العميد مروان سليلاتي، رئيس مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا، قائد لواء الحرس الجمهوري العميد سليم فغالي، رئيس فرع مخابرات جبل لبنان العميد كليمان سعد، رئيس بلدية الحدث جورج عون، رئيس المؤسسة المارونية للانتشار شارل الحاج، مدير الوقاية الصحية الدكتور جوزف الحلو وقائد القوى السيارة العميد فؤاد خوري وعدد من الرهبان الانطونيين.
عظة الاباتي ابو جودة
بعد الانجيل المقدس، القى الاباتي ابو جودة كلمة، استهلها بالترحيب بالرئيس عون والسيدة الاولى، وقال: “بكثير من الغبطة نستقبلكم يا فخامة الرئيس برفقة السيدة الاولى مع صحبكم الكريم، في ديرنا مار انطونيوس الكبير، هذا الدير الرابض على تلة تواجه القصر الجمهوري، وتنير مسيرة العاصمة بالوطنية والتربية والروحانية. شرفتمونا يا فخامة العماد عون بزيارتكم لنا، التي تلقي على عاتقنا مسؤولية جديدة، نحن في الرهبانية الانطونية المارونية وكل الكنيسة، للاسهام في بناء الوطن. ففي حين اختار الكثيرون مسارات متعددة في الوطن، اختارت الكنيسة القضايا التربوية والصحية والاجتماعية والانسانية لاعلاء شأن الوطن من جهة، ولردم تلكؤ الدولة من جهة اخرى، ولم تنكفىء يوما على الرغم من الصعوبات والازمات التي المت بنا من جراء الحروب او المشاكل الامنية او الضائقة الاقتصادية، عن تأدية دورها في بناء الوطن. ولقد دفعت رهبانياتنا الانطونية، من البشر والحجر، ما يشهد عليه الكثيرون لفداء وطننا. وارى ان الكنيسة، صمام الامان في الوطن، اعطت للبنان وجها في العلم والعمل الانساني يحسدنا عليه جيراننا باجمعهم. وعلى الرغم من الانتقادات المتكررة لبعض السقطات الصغيرة، فان نور لبنان وفكره يشعان على المشرق وعلى العالم، مضيئا صفحة مجلية من تاريخه الحضاري”.
اضاف: “فيما نحتفل اليوم بذكرى مار انطونيوس ابي الرهبان، يلفتنا كيف قرن هذا القديس الكلمة الى العمل، فصار علما في تجسيد الانجيل، سار في اثره الكثيرون. وما زال انطونيوس يلهم الكثيرين في اختيارهم والتزامهم الحياة على مختلف المستويات.
وتابع: “بالعودة الى الانجيل، يستوقفني موقف قائد المئة الذي، وبسبب مزاولته مهنته بشكل جيد، يعرف ان له سلطة وعليه سلطة، ولكن تفهمه وحده لا يكفي ليشفي عبده، فكان لا بد من تدخل يقوم به المخلص، ولو بكلمة، ليحدث الشفاء. وهذا هو وضعنا اليوم امام مأزق الصحة والتعليم، فلا يكفي يا فخامة الرئيس، ان نفهم الوضع، ونتحاور ونحدد المسؤوليات، بل ان نجد حلا لاهلنا وابنائنا المنتظرين جوابا على شفائهم وتعليمهم. فاللبنانيون منذ ما يقارب الثلاثة عقود دفعوا كل انواع الضرائب التي يتكلف بها مواطنو الدول العالمية، ولكنهم بالمقابل لم يحصلوا على الخدمات الاجتماعية المحقة لهم من طبابة وتعليم وضمان شيخوخة. والحل برأينا انه آن الاوان لكي تصدر الدولة البطاقة المدرسية والبطاقة الصحية للجميع، بدل عرض حلول جزئية عابرة لن يتمكن المواطنون من مواجهتها في الغد القريب. بذلك تشهد الدولة على التكامل بين القطاع العام والقطاع الخاص، وعلى حق المواطنين بان يؤمنوا تعليم اولادهم والطبابة لذاتهم”.
واردف: “نحن يا فخامة الرئيس، نحتاج الى حل دائم للمضي قدما في بناء وطن حديث. وعلى الرغم من ان الكثيرين يقولون بان القطاع المصرفي وحده ثابت في البلد، اود ان الفت خاطركم بان القطاع التعليمي والجامعي في لبنان هو القطاع الاثبت في الوطن، وهو وحده الذي يبني للبنان غدا، لذا اوجه تحية الى كل العاملين في هذا القطاع الذين صقلوا لبنان اليوم، وخرجوا اجيالا نفخر بها اينما حللنا، في العالم. فلا يمكن يا فخامة الرئيس، ان نتغاضى عن هذه النتيجة المشتركة، وتاليا لا بد من دعمها لان كلفتها ليست عالية على ما تدفعه الدولة اليوم على هذا القطاع، فيكفي ان يدار الملف التربوي بشفافية لنحصل على نتيجة مرضية للجميع، رحمة بلبناننا وبأبنائنا وبأهلنا وبأبنائنا وبغدنا الذي نريده دوما مشرقا”.
وقال: “فخامة الرئيس، لقد خضت هذا الموضوع اليوم على خلفية تدخل مار انطونيوس في حياة عالمه، وقد كان ناسكا في البرية، بعيدا عن حياة العالم، وعن مشاكل عصره، ولكن لما سمع عن القلاقل والهرطقات في الاسكندرية، ترك صومعته ليصوب الاداء. وانا اليوم اضع هذه الوديعة بين ايديكم لتصوبوا الاداء، وخصوصا لنخرج من الفهم والتلاسن نحو الحل، فنعمل على شفاء، ليس ابن قائد المئة، انما لنعطي الكثيرين من اهلنا وابنائنا الذين يقفون كقائد المئة ينتظرون من يغير حياتهم ومستقبلهم. واتمنى ان تكونوا “بي الصبي” ليس فقط في قانون الانتخاب وفي الحلول الكثيرة التي اوجدتموها حتى الان في فترة رئاستكم، انما على مستوى التعليم والصحة، لكي لا نواجه في السنوات المقبلة من عهدكم اقفالا جماعيا للمدارس الجبلية والريفية ومرضى ينتظرون من سيداويهم. ولما ثبت عدم قدرة الدولة المالية على القيام بتنفيذ القانون 46، نرجو ان يعاد النظر فيه من اجل صالح الجميع لكي لا نجد عددا كبيرا من الاساتذة، وقد نال بعضهم حقوقهم، مدفوعين الى البطالة وتاليا نحرم رعيلا من الشباب من الجودة التعليمية والتربوية، في حين ان المدارس الرسمية في المدى المنظور عاجزة عن استقبالهم فيما اعداد كثيرة من النازحين يشاركون اولادنا اروقتها ومواردها. فتعليم ابنائنا هو شرط اساس لوطن حضاري نعيش فيه المحبة والحوار والتنوع”.
وعن موضوع تأليف الحكومة، قال: “إننا يا فخامة الرئيس نضم صوتنا الى صوت صاحب الغبطة والنيافة مار بشارة بطرس الكلي الطوبى والى سائر الاساقفة والرؤساء العامين الموارنة، وقد اصدرنا بيانا اثر اجتماعنا في التاسع من هذا الشهر مطالبين، القيمين على شؤون الدولة بتخطي كل العوائق السياسية وغير السياسية التي تحول دون تشكيل الحكومة، والتوافق سريعا على صيغة لها تكون قادرة على مواجهة التحديات. كما اكدنا اهمية تولي المهمة الانقاذية المطلوبة قبل انهيار الهيكل على الجميع. نعم يا فخامة الرئيس نحن بحاجة الى حكومة تشبهكم في نظافة كفكم وضميركم الحي لينهض الوطن من كبوته. واسمحوا لي، يا فخامة الرئيس، في ختام هذه الكلمة ان اعايد اخوتي الرهبان وجميع الانطونيين العاملين في مؤسساتنا، والذين يرتادون اديارنا ورعايانا في لبنان وبلدان الانتشار، واعيد كل مكرس يترجم انجيل ربنا في حياته اليومية على مثال القديس انطونيوس، متمنيا الثبات في ادائهم النبوي وسعيهم في ايقاظ العالم. كما اشكر الاب جورج صدقة رئيس هذا الدير المبارك، الذي يسهر، مع جماعة الدير، على هذه المؤسسة التعليمية والرعوية والرهبانية الرائدة، والذي يسر لنا لقاءكم الكريم، مجددا ترحيبي بكم وبالسيدة الاولى وبصحبكم الكريم وبجميع اصدقاء الدير، طالبا ان يكون هذا العيد مناسبة لتوطيد الشراكة وتعزيز الثقة المتبادلة”.
وختم: “ليسدد الله بشفاعة مار انطونيوس ابي الرهبان خطاكم وخطانا لما هو مصلحة ابنائنا، في وطن نفخر انه يحمل ستة الاف سنة من الحضارة، ونريد بقيادتكم ان يستمر ويصبح اكثر عدالة في زمن يكثر فيه الهراطقة والمعطلون والمشككون في الصيغة اللبنانية: الوحدة في التنوع التي يقوم عليها وطن الرسالة، كما كان يحلو للبابا القديس يوحنا بولس الثاني تسميته. وكل عيد وانتم بخير”.
مأدبة غداء
بعد القداس، تقبل الرئيس عون واللبنانية الاولى والاباتي ابو جودة التهاني بالعيد، قبل ان يشاركوا والحضور في مأدبة الغداء التي اقامتها الرهبانية للمناسبة، وانضم اليها نائب رئيس الحكومة وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال غسان حاصباني.
صدقة
والقى الاب صدقة كلمة، فقال: “اهلا بكم، يا فخامة الرئيس، في دير مار انطونيوس الكبير الذي تحبون، والذي يحبكم لما لكم من علاقات وصداقات متنية مع الرهبانية الانطونية، ترسخت على حب الله والوطن، وتعززت بالروح العائلية الصادقة. الدير ديركم، فمعكم ومع قدس الاب العام، نتأهل بالضيوف الكرام، ونتمنى للجميع عيدا مباركا. ان الامواج العاتية تلاطم سفينة الوطن من كل الجهات، وكلنا يعرف الصعوبات والضيقات التي تمر بها البلاد. هناك الكثيرون الذي يعرقلون مسيرة الوطن والعهد، من اقربين وابعدين ومن محليين واقليميين”.
اضاف: “لقد عاهدناكم، يا فخامة القبطان القدير الذي يقود سفينة لبنان الى ميناء الخلاص والامان، معولين على عهدكم بان يكون عهد الاصلاح وعهد الامن وعهد الحرية وعهد التحرير الكامل للارض وعهد السيادة، عهد القرار الحر. فقلبنا معكم وصلاتنا من اجلكم كي تتحقق هذه الاحلام وتعيش اجيالنا القادمة بكرامة. فخامة الرئيس، انتم حارس الدستور، وقد اقسمتم اليمين بالحفاظ عليه. فبالله عليكم لا تدعوا احدا يمس هذا الدستور، لان الجمر تحت الرماد، والقلوب مليئة والنفوس مشحونة تكاد ان تنفجر، وبخاصة هناك من يغذيها، بالاعلام والاعمال، وكلنا يعرف كم كلف هذا الدستور من اثمان باهظة بالارواح والممتلكات. ولنقلها بصراحة ان التلويح بالمثالثة هو دعوة الى حرب اهلية، وتغليب فئة على فئة، وتشويه لصورة لبنان التعايش والخصائص الفريدة المميزة. واخيرا نبارك سعيكم بان تبقوا “بي الكل”، بان تجمعوا المسيحيين لما لهم من دور فاعل عندما يتوحدون، وان تجمعوا اللبنانيين جميعا، ولو اقتضى ذلك التضحيات فانتم “بي الصبي”.
وتابع: “وللمناسبة، لا يسعني الا ان اشيد بما قام به عهدكم، واسمحوا لي بان اثني على بعض الوزراء، خصوصا الموجودين بيننا، على ما قاموا به من تنظيم وتطوير وتقدم، وخدمات جلى، كنائب رئيس الوزراء معالي الوزير حاصباني، على ما قدم لوزارة الصحة من خدمات. وكم نرجو ان تطبق البطاقة الصحية التي اعدها، خدمة لكل مواطن. كما انوه بالدور الكبير الذي اداه معالي وزير الخارجية جبران باسيل الديناميكي، في هذه الوزارة، حيث اسهم بارجاع اللبنانيين في عالم الانتشار الى وطنهم، واستعادة الجنسية اللبنانية التي هي حقهم. والمزيد من الثناء لمعالي الوزير بيار بو عاصي، على ما انجز من اعمال خيرة للفقراء والمعوزين وللانعاش الاجتماعي. اما نواب المنطقة، فلهم الشكر الجزيل، ونرجو منهم المزيد المزيد. ولا بد لي ان اشكر رئيس بلدية الحدث الهمام الاستاذ جورج عون على جعل بلديته نموذجا يحتذى به لبلديات لبنان. واحيي السيدات ميراي وكلودين وشانتال على كل اعمالهن”.
واردف: “اسمحوا لي ان احيي قائد الجيش الجنرال جوزف عون على قيادته الحكيمة، العادلة، واحلاله الامن في ربوع الوطن. فله وللجيش اللبناني كل الدعم والتأييد كي لا يبقى الا سلاحه الشرعي على ارض الوطن. فباسم الرهبانية الانطونية ورئيسها الاباتي مارون ابو جودة، اتوجه بالشكر الجزيل لكم، على حضوركم ومحبتكم وصداقتكم الغالية. واخيرا، نرفع الصلاة من اجلكم ومن اجل عائلتكم، ومن اجل الوطن، طالبين من القديس انطونيوس ان يبارك مسعاكم ويسدد خطاكم ، لما فيه خير الشعب والوطن”.
رئيس الجمهورية
ورد الرئيس عون بكلمة، شكر فيها الاب صدقة على كلمته، وقال: “ايها الحضور الكريم. عندما اصغيت اليكم تتحدثون عن القيادة الحكيمة للسفينة، استذكرت قصة تلك السفينة التي كان يقود ربان وعلى متنها ابنته، فيما كانت الانواء تعصف بها، وبدأ الجميع باخلائها. وحيث كان البحارة يفتشون الغرف تمهيدا لاخلائها، وجدوا ابنة صغيرة لا تزال نائمة. واذ طلبوا منها الاسراع بالمغادرة، سألتهم: الا يزال القبطان موجودا في القيادة؟ وهل لما يزل والدي هو القبطان؟ فاجابوها: نعم. فعادت الى النوم. لذلك اقول لكم: لا تخافوا، نحن لن نترك السفينة، وسنقوم بعملية انقاذ لجميع من هم على متنها. نحن موجودون هنا، ولسنا معتادين على التخلي عن مسؤولياتنا. في زمن سابق، واجهنا الدبابة والطائرة والمدفع، ولم نخف. وكنت هنا في بعبدا الى جانبكم. نحن لن نترك بعبدا ولن نجعل احدا يسيطر على لبنان”.
وفي الختام، قدم الاب الدكتور ميشال روحانا الانطوني للرئيس عون، النسخة الاولى من كتابه: “ألخلق من الحب، جسر منير بين العلم والدين، محاولة في اللاهوت الرازائي”.
وطنية