وفي الشَّهرِ السَّادِس، أَرسَلَ اللهُ الـمَلاكَ جِبرائيلَ إِلى مَدينَةٍ في الجَليلِ اسْمُها الناصِرَة،
إِلى عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ اسمُهُ يوسُف، وَاسمُ الفتاة مَريَم.
فدَخَلَ إلَيها فَقال: «السّلامُ عليكِ، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ».
فداخَلَها اضطرابٌ شَديدٌ لِهذا الكَلامِ وسأَلَت نَفسَها ما مَعنى هذا السَّلام.
فقالَ لها الـمَلاك: «لا تخافي يا مَريَم، فقد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله.
فَستحمِلينَ وتَلِدينَ ابنًا فسَمِّيهِ يَسوع.
سَيكونُ عَظيمًا وَابنَ العَلِيِّ يُدعى، وَيُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود،
ويَملِكُ على بَيتِ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية»
فَقالَت مَريَمُ لِلمَلاك: «كَيفَ يَكونُ هذا وَلا أَعرِفُ رَجُلاً؟»
فأَجابَها الـمَلاك: «إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَينزِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ، لِذلِكَ يَكونُ الـمَولودُ قُدُّوسًا وَابنَ اللهِ يُدعى.
وها إِنَّ نَسيبَتَكِ أَليصابات قد حَبِلَت هي أَيضًا بِابنٍ في شَيخوخَتِها، وهذا هو الشَّهرُ السَّادِسُ لِتِلكَ الَّتي كانَت تُدعى عاقِرًا.
فما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله».
فَقالَت مَريَم: «أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ». وَانصرَفَ الـمَلاكُ مِن عِندِها.
*
“كَيفَ يَكونُ هذا؟”، سألت مريم، والملاك لم يشرح لها كيف، بل فتح فكرها على الذكر، ذكر عمل الله في تاريخ شعبها. الرب الذي رافق إسرائيل في الغمامة مظللاً وماسحًا ومباركًا بحضوره، هو عينه يحل فيها جاعلاً من حشاها عرش خالق الأكوان، ومن رحمها قدس أقداس الرحمة، ومن شخصها بيت قربان حي ومتنقل… لكي نفهم علاقتنا الشخصية مع الرب، ما من سبيل أفضل من النظر في تاريخ الرب مع شعبه، مع الـ “نحن” الكنسي والجماعي. ذكرى الماضي الذي زاره الرب تُخصب حاضرنا وتجعلنا نتجاوز المفهوم المغلوط الذي يجعل من الحياة الروحية واقعًا فرديًا، مستقلاً ومنفصلاً عن الآخرين. الحياة الروحية تلمس أعماق حميميتنا، ولكنها لا تفصلنا بل تجمعنا وتوحدنا بالآخرين. إن كل “نَعَم” للحب هو فعل ونِعمة جامعة وشاملة. ونعم مريم هو خير دليل على ذلك.
Zenit