ليست الاحتفالات بأعياد القدّيسين مناسبة فقط للفرح وتبادل التهاني وإقامة المناسبات الاجتماعيّة. صحيح أنّ الكنيسة تفرح وتهلّل في أعيادهم كما ننشد في مزمور القراءات:
“الـتيجـان الـرفيعـة كــلّ مجـد الأرضيّين دون أفراح البيعة في تذكار القدّيسين”
لكنّها في الوقت عينه تقدّمهم لنا بشرًا قبلوا الإنجيل وعاشوه، فأضحت حياتهم إنجيلًا حيًّا، وبذلك نتعلّم منهم أنّ الإنجيل ليس، ويجب ألاّ يكون لنا، مجموعة أمثالٍ صعبة المنال.
تعالَوْا إذًا إلى مارون في عيده، تعالَوْا إلى ذلك القديّس الّذي تجمهرت الحشود حوله، وتكاثرت إلى أن شكّلت كنيسة تسمّى على اسمه، لا لأنّه أسّسّها، ولكن لأنّها اتخذته شفيعًا لها ومثالًا.
تعالَوْا إليه نستلهم سيرته ونهجه في عيش الإنجيل، تعالَوْا نعود إلى ذلك الغصن الّذي ثبت في الكرمة-المسيح فأعطى ثمرًا يدوم، ثمر برٍّ وقداسة، عطرًا فوّاحًا يطيّب المسكونة.
رُبّ قائلٍ، لسنا نسّاكًا، فما عساه يعلّمنا اليوم، بعد ألف وستّمائة سنة من وفاته، في عصر العولمة والتطوّر التقنيّ والعلميّ؟ فعصره لا يشبه عصرنا، ولا دعوته النسكيّة تشبه نمط حياتنا اليوم.
للوهلة الأولى، قد يبدو لنا هذا الاعتراض صحيحًا، لكن إن تمعنّا في الأمر قليلًا ندرك أنّه يمكن لنا أن نتعلّم من مارون الكثير:
– الموت عن الذات، وعن الإنسان القديم، لنحيا في المسيح، هذا جوهر معموديّتنا.
– إختيار يسوع المسيح مخلّصًّا وربًّا وإلهًا، وفي ذلك شرطٌ، بدونه لا حياة مسيحيّة ممكنة.
– المواظبة على الصلاة، فحياة المؤمن لا تكتمل إلّا بعلاقته بربّه وإلهه.
– نبذ روح العالم والزهد بمغرياته، فدعوة كلّ متتلمذٍ للمسيح أن يبتعد عن كلّ تعلّق أرضيّ يلهيه عن اتّباع المعلّم.
– الثبات في الإيمان على الرغم من كلّ المضايقات والاضطهادات والمغريات.
هذا بعضٌ ممّا يمكننا أن نتعلّمه من مارون الناسك، ومن نهجه، ونتبنّاه في حياتنا على تنوّع دعواتنا في الكنيسة. فعيد مار مارون، محطّة فرح وعودة إلى الجذور لنطعّم به عالم اليوم.
أليتيا