لم يطلق غازي باكر على معرضه، المقام لدى غاليري «مارك هاشم»، تسمية واحدة، كما هي العادة، بل شاء أن يكون العنوان ثلاثياً: «ذنوب، مزايا وألوان». لا تبدو الكلمات الثلاث مترابطة، بعضها بالبعض الآخر، شأنها شأن أعمال عديدة في المعرض لا تعالج، من حيث المحتوى الظاهر، موضوعاً واحداً، وكأن باكر يرمي إلى قول أشياء كثيرة دفعة واحدة، علّ خلاف ما نشهده لدى ما يسمّى «الفن الأقلّي»، المختصر والقليل العناصر.
وإذ شئنا ذكر الفن الأقلي، فلأنه يُعتبر أحد أشكال الفن الحديث الذي تنتسب إليه الأعمال المعروضة أمامنا، والتي لو شئنا إدراجها، نسبياً على الأقل، إلى أحد التيّارات الحديثة لقلنا إن ثمة ما يجمع هذه الأعمال بإرهاصات الـ «بوب آرت»، وهو الاتجاه الذي وجد أرضاً خصبة له في أميركا، من دون أن نستثني ما تمّ إنجازه، في هذا المجال، في القارة الأوروبية. ارتبطت حركة «البوب آرت»، لدى ظهورها، بالواقع الاجتماعي المعاصر، ولعلّ ما يميّزها هو استخدام «ما هو محتق»، كما يفهمها الفنان الأميركي روي لشتنستين، مع الاتجاه إلى «استخدام الوسائل الأكثر تداولاً والأقل جمالية، والأكثر زعقاً في وسائل الإعلام». هذا الأمر يؤدي إلى تضمين العمل الفني صوراً مستخدمة في الوسائل المذكورة، وتُضاف إليها صور أخرى قد نراها في الصحافة والمجلات المصوّرة والتلفزيون والأماكن العامة وسواها.
ظروف إنسانية
على أن أعمال غازي باكر، تضيف إلى ما سبق ذكره عناصر وموتيفات أخرى تتعلّق بالظروف الإنسانية، وبما يمكن أن يعتمل في نفس الإنسان من مشاعر متناقضة، بعضها سوداوي متشائم وبعضها الآخر يمتّ بصلة إلى حالات الغضب والغيرة وربما الضياع، علماً أن الانطباع العام الصادر عن الأعمال يميل نحو السخرية وبعض الفكاهة. لذا، وبغياب الاستناد إلى قواعد أو أسس واضحة في هذا النطاق، ونظراً للتفلّت من المفاهيم «الدرامية»، لا تتخذ لوحات باكر بعداً وجدانياً ونفسانياً جدياً، أو اتجاهاً فنياً واضحاً، إذ نرانا أمام مزيج من الدادائية، كحركة عبثية عكست رفض القيم والتقاليد المتعارف عليها، وبعض السريالية التي صوّرت، في حينها، عالماً حلمياً غيبياً. وإذا كان هذا الحكم ينطبق، ربما، على بعض الأعمال المعروضة، فإن أعمالاً أخرى كانت استلهمت أساليب فنانين معروفين كمارك روتكو وفان غوغ، ولو من وجهة نظر ذاتية تتقلّب بين محاكاة الموضوع العام ، أو اعتماد الأسلوب الشكلي والخيارات اللونية لدى الفنانين الإثنين المذكورين.
إلى ذلك، لا يتوانَى باكر عن التطرّق إلى مسألة الهوية، بعدما امتزجت في المشهد المديني الشرق أوسطي لديه، كنتيجة لما تفرضه مظاهر العولمة، مفردات بصرية متناقضة، كشعار «البيبسي» على منارة الإسكندرية في إحدى اللوحات، أو شجرة النخيل التي لا يفصلها سوى خط عمودي عن مشهد صناعي. من ناحية أخرى، وفي مجموعة «البورتريهات» الحاضرة ضمن المعرض، فيمثّل باكر انفعالات بشرية على الوجوه كالحزن والغضب والغيرة والجبن، علماً أن هذه الانفعالات تبدو بعيدة كل البعد عن المفهوم التصويري التقليدي، إذ إن الشخصيات تبدو وكأنها خارجة من شريط رسوم متحرّكة، تكريساً لذاك المزيج، الذي سبق ذكره، بين السخرية والفكاهة وبعض العبثية.
كما تثير الانتباه تلك الأنثى على إحدى اللوحات ذات الوجه الذي هو عبارة عن بالون، وقد عُلقت على صدرها لافتة كُتب عليها «سولد»، وزميلتها التي تحمل جهازاً خلوياً متعدّد الوظائف. صورتان من واقع محلّي أو معولم مستجدّ لم يعد التصدّي له ممكناً، في حال شئنا ذلك أو تمنيناه.
(]) يستمرّ المعرض حتى 4 كانون الأول في غاليري «مارك هاشم « ـ ميناء الحصن.
محمد شرف
السفير