كتبت ريتا بولس شهوان في نداء الوطن بتاريخ 21 شباط 2022
المؤشر على هشاشة الاقتصاد اللبناني هو تلازم الانهيار مع سقوط قيمة العملة الوطنية التي غيّرت معالم هذا الوطن. في وقت سابق، كانت البلديات تركض لتدخل السباق على الجوائز العالمية. اليوم ومع تأثير الازمة هذه على خدمة الانترنت أصبح لبنان ينافس الصومال او السودان في «غباء» المدن تكنولوجياً. هكذا تقطّعت اوصال الدولة، بين أزمة بنزين، أي نقل، وإتصالات، أي تواصل.
تشهد الشركات المزوّدة للانترنت بين المناطق في كسروان والمتن وجبيل كما البترون حركة «هجرة» زبائنها. ربيع (مشترك من كسروان)، ترك الشركة المناطقية التي كان يأخذ منها انترنت، عندما بدأت ازمة الكهرباء تشتد، وانتقل الى أخرى أكبر منها على نطاق أشمل. السبب في نقلته هذه، انه إضافة الى تقنين الكهرباء والمولد، وقع ضحية تقنين مزود الانترنت الذي كان يحصل على الكهرباء من مصادر مختلفة تقنن بدورها. عمل ربيع عبر الانترنت، ولا يمكنه التوقف لحظة واحدة، لذا بحث عن شركة أخرى، مصادر الطاقة فيها ثابتة وانتسب اليها.
خسر حجازي (صاحب شركة انترنت في البترون) بهذه الطريقة اكثر من 35% من زبائنه لصالح شركات أخرى او حتى ان بعض الزبائن توقفوا نهائياً عن الحصول على الخدمة بسبب ارتفاع الأسعار، ليبقوا على الـ 3 جي. مشاكل القطاع المستجدة، الغت المنافسة بين الشركات الا اوجيرو، التي تتكبد خسارة لن تتوقف الا مع رفع التعرفة. حل حجازي معضلة الكهرباء بامتلاكه مولد كهرباء. يصف كيف انه منذ بضعة أعوام، كانت فواتير الكهرباء والمولد تصدر شهريا بـ 9 ملايين ليرة اما اليوم فيصل الرقم الى 130 مليون ليرة شهرياً.
ولتأمين استمرارية العمل أيضاً يعتمد على تقنيات أخرى مثل «اليو بي اس» او البطاريات التي يجب ان تغيّر مداورة، إضافة الى مصاريف تحديث أنظمة الانترنت التي تدفع بالدولار بما يعادل الخمسة آلاف دولار، لتشكل تكاليف الشركة بصورة عامة، التي يدفعها الى اوجيرو بنسبة 30% بعدما كانت تتخطى الـ 70%. لا يمكن لحجازي ان يكمل في هذا المجال إن لم يؤمن مدخولاً من خارج لبنان، وهذا ما فعله ليخفف من كابوسه المستجد، الا وهو الرد على الاتصالات التي تنهال عليه او ملاحقة الأعطال وتوقف الخدمة الذي يتخطى الساعة أحياناً. نجح بعد معجزة بأن يغطي حتى الـ 90% من ساعات النهار، لتفوق كلفة الاشتراك الـ 150 الف ليرة.
تهلك الفواتير المرتفعة الشركات المتوسطة هذه كما الزبائن. يصف سيرج مدير في شركة انترنت في جبيل عمرها 30 عاماً، النقمة على الفواتير، التي تصل اليه تباعاً بالدولار، ليكون الانتقال الى الطاقة البديلة، ليمد شركته بالكهرباء موجعاً اكثر من توقف الخدمة. هذا التبدل في منهج العمل، وصل الى ايجارات الاسطح، فما عاد مالكوها يرضون بالايجار القديم، لذا ليحافظ على أدوات تواصل الزبائن، ضرب بدل الخدمة صعوداً بـ 40%، وذلك تدريجياً. يشتكي سيرج من واقع ان شركة اوجيرو لا تقدم أي شيء مقابل ما يدفع لها، علماً انها زودت زبائنها من المواطنين بعروض جديدة من دون ان تفعل ذلك للشركات. يصف لـ»نداء الوطن» كيف انه عندما توقف سنترال جبيل عن العمل، توقفت بموازاة ذلك كل الاتصالات والخدمة، كما ابدى تخوفاً من الاخبار المتناقلة حول احتمال قطع الكهرباء عن جبيل، مما سيؤثر حتما على تغذية الانترنت، اذ ان نظام الكهرباء الذي لدى الشركة او أي شركة أخرى لا يتحمل ضغطا لمدة طويلة.
الأرقام التي تحملها فواتير الشركات المزودة للانترنت، لناحية تجهيز المحطات بالكهرباء مخيفة وهي على عاتق أصحاب هذه الشركات، وتمنى المناطق بخسارة لا تعوض الا بعد سنوات، اذ ان الأموال المخصصة للتأهيل، مقتطعة من رأسمال الشركة وهي فقط لتلبي حاجات الزبائن، وكان صاحب أي شركة مزودة لخدمة الانترنت يحصد منها ارباحاً لا تقل عن الخمسة آلاف دولار. اما اليوم لا يبقى الا مئات من الدولارات بعد دفع المبالغ، خصوصاً ان كلما كبر حجم الشركة كلما زاد حجم المصيبة.
يسخر عساف (صاحب شركة انترنت في المتن) من الوضع، اذ يعتبر ان عمله يلخص بانه تحول الى شركة كهرباء، فاقداً الامل بكهرباء الدولة، معتبراً نفسه محظوظاً انه يأخذ الانترنت من المحطات الأساسية في بيروت التي لا تنقطع عنها الخدمة الا نادراً. كما يقدّر شربل (صاحب شركة في كسروان) الخسارة نسبة الى حجم الربح في وقت سابق، اذ ان العشرة بالمئة التي كان يحصدها من عمله في السابق، ما عادت رقماً صحيحاً اليوم، فحتى لو عاد سعر الصرف الى الف وخمسمئة واصبح هناك استقرار في لبنان، فان الخسارة التي تكبدها منذ تبدل سعر الصرف لا تعوض بنظره. يأمل، لا بل يصر على ضرورة ان تتحرك وزارة الاتصالات، لتؤمن بعض الحلول، فهي على حد تعبيره تملك كل المقومات لتضع خططاً لكنها لا تفعل. يستغرب شربل هذا التباطؤ وعدم مكافحة الانترنت غير الشرعي. حاول شربل التواصل مع فريق عمل الوزارة لكنه لم يفلح، سائلاً لمَ الدولة تخسر، ولا تفيدنا؟ في واقع الحال، رفع أصحاب الشركات المسجلة في الدولة، الفاتورة على المستهلك، مندون أي قرار صادر عن الحكومة، فهل يبقى مشتركون في الخدمة بعد ان تعدل الدولة تسعيرة اوجيرو، وهي منبع ومصدر المزوّدين؟