عندما يبدأ الإنسان بالانتباه للغرفة الباطنية، يبدأ بالانتباه أيضًا إلى الوقت. فكم من الوقت نهدر يوميًا ظانين أن لدينا الكثير منه. بالواقع، كل يوم لدينا فقط 86400 ثانية. وعندما نهدرها لا تعود أبدًا. الزمن هو حياتنا بالذات، هو “العملة” التي نشتري بها خلاصنا وتقديسنا. في روكابورينا، موضع رأس القديسة ريتا العجائبية، هناك ساعة شمسية تحمل كتابة تدفع إلى التفكير: “يا بني احفظ الوقت. فما من شيء أثمن من الوقت. قيمة الوقت هي من قيمة الله!”.
قد نتشكك من هذا القول، فما معنى أن نقول أن قيمة الوقت هي قيمة الله؟ أليس هذا تجديفًا؟ ولكن إذا فتحنا الكتاب نقرأ أمرًا مماثلاً في سفر ابن سيراخ بحسب ترجمة الفولغاتا اللاتينية (راجع سير 4، 23). ما يقوله المؤلف الملهم هو أ الزمان هو الفسحة التي يمكننا من خلالها أن نلتقي بالله أن نرضي الله وبالتالي أن “نربح” الله.
الله لا يتباخل بذاته على الإنسان، ولكن الحياة مع الله ليست أمرًا يُعطى وحسب، بل هو أمر يتطلب من الإنسان تحولاً وتقديسًا، لا بل يتحدث الآباء الشرقيون عن “تأليه” (theosis). فالحياة الإلهية ليست رداءً خارجيًا بل هي تحول باطني في أعمق أعماقنا ولا تتم إلا بمساهمتها وبقبولنا لولوج الأبدي في زمننا.
هذا ويحذر الأسقف الأرثوذكسي أنطوني بلوم من مشكلة هدر الوقت التي نعيشها في زمننا فيقول أنه لو جمعنا شذرات الوقت التي نهدرها يوميًا لتفاجأنا بكمية الوقت الذي بحوزتنا دون أن نعي ذلك. ويحثنا بلوم على استعمال هذا الوقت للصلاة: “لو فكرتم بعدد الدقائق الفارغة التي نسعى كل يوم لملئها بأي شيء خوفًا من الفراغ، سنفهم أن هذه الدقائق – التي هي كثيرة – يمكن أن تكون في آن وقتًا لنا ووقتًا لله”.
الوقت هام وقد نظن أن لدينا المتسع منه ولكن في كل ثانية لدينا ثانية واحدة وإذا أضعنا هذه الثانية فقد أضعناها للآبد. كل ثانية تموت ثانية إلا إذا ملأناها بالأبدية، إلا إذا ملأناها بالله.
زينيت