ما اتُّفق عليه سراً، أُعلن. سيلتقي الكاثوليك والارثوذكس في نيقية غرب تركيا السنة 2025، “ليحتفلوا جميعا بذكرى اول مجمع مسكوني حقيقي انبثق منه اولاً قانون الايمان، بعد 17 قرنا على انعقاده”، يكشف البطريرك المسكوني برتلماوس الاول. هذا ما اتفق عليه مع البابا فرنسيس، خلال لقائهما في القدس في ايار 2014. والى البحث في “امكان توحيد عيد الفصح”، توّجا قمتهما بوثيقة مشتركة تاريخية.
1473 كلمة في 10 نقاط، ممهورة بتوقيعي فرنسيس وبرتلماوس. “لقاؤنا الأخوي اليوم يشكل خطوة جديدة وضرورية في المسيرة صوب الوحدة، والتي يمكن للروح القدس وحده أن يقودنا إليها، ألا وهي الشركة في التنوع المشروع”، جاء في الوثيقة. بعد توقيعها في مقر البعثة الرسولية في القدس، كان الحدث في “كنيسة القيامة” الاحد 25 ايار.
البابا والبطريرك وقفا جنبا الى جنب، في لقاء مسكوني استثنائي شكلت “بعض الحركات” أقوى لحظاته: البابا والبطريرك تساعدا في نزول الدرج المؤدي الى الكنيسة، اليد باليد. قُبَل متبادلة مراراً، عفوياً. بعدما القى برتلماوس كلمته، امسك فرنسيس بيده بقوة وقبّلها. وعلى الفور، عاجله الآخر بقبلة على الخدين، وأعاد الكرة بعدما انهى البابا كلمته. معًا كانا دائما، جنبا الى جنب، سائرين، واقفين، مصليّن “الابانا”، راكعين امام قبر السيد المسيح، منحيي الرأس… ومغادرين.
في تحليل لغة الاجساد، كان التواؤم والارتياح جليين بينهما في كل المحطات. في تحليل الحدث، “الكنيسة تتقدم في مسيرة الوحدة”. وفي تحليل الكلام، خصوصا الوثيقة، يجد متروبوليت صيدا ودير القمر وتوابعهما للروم الكاثوليك المطران ايلي حداد “انها تشدد على النقاط التي تجمع ما بين الكنيستين. وبالتالي هناك تقارب واضح بين بعض العقائد واخلاقيات الحياة والاجتماعيات والكرامة البشرية”.
“الفوارق” لم تُذكر في الوثيقة، و”تبقى على طاولة الحوار، ومنها سلطة البابا واولية كرسي روما”. البحث فيها يتواصل دوريا، “غير ان الطرق مسدودة حتى اليوم. وقد مرت مدة طويلة من المراوحة في المكان بشأنها”، يقول حداد، مشددا على “وجوب ان تشعر الكنيستان بالخطر الداهم للمسيحيين في الشرق، والتي اقرت الوثيقة بوجوده. غير انها لم تكن صريحة باقرار ان الوحدة تقوي. وما نقوله هو ان الوحدة تقوي. واذا لم تحصل، فهذا يعني ان الكنيستين (في الشرق) ستكونان ضعيفتين. وبها تكونان اقوى لدعم الوجود المسيحي”.
ماذا بعد الوثيقة؟ يجيب: “النيات طيبة… غير انه للتحاور في مادة الحوار، يجب التحرر من التاريخ وان ننساه”. الحركة المسكونية “ناشطة عند القاعدة الشعبية”، في رأيه، “وتتخطى كل القوانين التي تضعها الكنيسة. وبالتالي قد تأتي الوحدة من القاعدة، وليس من الهرم. وربما هذا من عمل الروح القدس. وربما قبلت الكنيسة ذلك كعلامة فارقة فريدة”.
قبل 50 عاما، شهدت القدس قمة تاريخية (5-6 ك2 1964)، الاولى بين بابا وبطريرك مسكوني منذ 10 قرون تقريبا على الانشقاق الكبير (1054). يومذاك، تبادل السلفان، البابا بولس السادس والبطريرك المسكوني اثيناغوراس، العناق وتشاركا في صلاة واحدة رمزا للوحدة. هذا الحدث ارسى بداية المصالحة الكاثوليكية-الارثوذكسية، بالتزامن مع انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني في الفاتيكان (1962-1965).
“في اليوم الاخير للمجمع (7 ك1 1965)، رفعت رومة والقسطنطينية الحرومات المتبادلة”(1)، وتُلي خلاله “تصريح مشترك” للبابا والبطريرك، وفي الوقت نفسه أُعلِن في كاتدرائية الفنار (مقر البطريرك)(2). وكانت 5 نقاط تضمنت “اتفاقا مشتركا”، “كتعبير عن ارادة صريحة ومتبادلة في المصالحة، وكدعوة الى استئناف الحوار…”(2).
“العام 1967، زار البابا البطريرك في اسطنبول (25-26 تموز). وفي السنة نفسها، ردّ له البطريرك الزيارة في الفاتيكان (26-28 ت1)”(1). و”في الذكرى الـ10 لرفع الحرومات (7/12/1975)، قام البابا بخطوة نبوية مذهلة، اذ انحنى وقبّل قدمي موفد البطريرك. وفي هذا اللقاء، تقرر انشاء لجنتين مشتركتين متوازيتين لتهيئة الحوار اللاهوتي، ثم لجنة تنسيق مشتركة… وفي 30 ت2 1979، أُعلِن رسميا انطلاق الحوار وتشكيل لجنة مشتركة خلال زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للقسطنطينية”(2).
في حصيلة 20 عاما من عمل اللجنة المشتركة (1980-2000)، 8 اجتماعات و4 وثائق حول مواضيع كنسية ولاهوتية وعقائدية. على المستوى القيادي، حقق التقارب مستويات متقدمة، لاسيما بين روما والقسطنطينية. في السجلات الرسمية، كانت مشاركة برتلماوس في احتفال تنصيب فرنسيس في آذار 2013 الاولى عبر التاريخ لبطريرك مسكوني. وفي الكواليس، انتشر الخبر ان برتلماوس كان اول من حضّ على احياء الذكرى الـ50 للقاء بولس السادس-اثيناغوراس. وتبلورت الفكرة اكثر في لقاءات لاحقة بينه وبين فرنسيس.
“اليوم نكرّم المبادر البطولية لسلفينا. لقد تبادلنا عناقا من الحب، بينما نواصل السير في الدرب المؤدي إلى الشركة التامة”، قال برتلماوس، قبل ان يقبّل البابا في كنيسة القيامة. وردّ البابا: “بعد 50 عاما على عناق سلفينا، نعترف بامتنان ودهشة متجددة كيف كان ممكنا، بفضل دفع الروح القدس، اتمام خطوات مهمة نحو الوحدة”.
والبصمات تحملها الوثيقة. في قراءة ارثوذكسية انطاكية، يقول الاستاذ في جامعة البلمند الارشمندريت يعقوب خليل “ان الوثيقة لم تهدف الى ان تحقق خرقا جديدا في المضمون. غير انها تؤكد خطوات ايجابية تحققت في العلاقات بين الكنيستين خلال العقود الماضية”.
بايجابية، ينظر الى طريقة تقدم الامور بين الكنيستين خلال الاعوام الـ 50 الاخيرة. “لا يمكن القول ان مسيرة الحوار بينهما كانت بطيئة. ما تحقق خلال 50 عاما ليس قليلا ابدا بالمقارنة بالجمود الذي امتد على نحو الف عام”. ما يهم اولا، في رأيه، “الوحدة في الايمان، ايمان واحد، وكأس واحدة، وخبز واحد. وفي هذا الاطار، تأتي الوثيقة لتشدد على الوحدة في الايمان والشركة الافخارستية، من دون ان تقلل من اهمية التنوع”.
المطلوب تحقيقه في المستقبل، “الوحدة المنظورة ضمن وحدة الايمان”. و”استمرار الحوار والقيام بخطوات جدية” من ضرورات التقدم. “الامور تسير في الطريق المنشود… الحوار الجاري حاليا جدي وعميق، وهو النهج المضمون للوصول الى الوحدة. يجب ان يبقى الحوار حقيقيا. والبحث المشترك، بتواضع وتجرد، سيقودنا الى الحقيقة والى قول الحق”.
في معلومات ادلى بها اخيرا برتلماوس لـ”آسيا نيوز”، “الحوار من اجل الوحدة يتجدد من القدس. وفي الخريف المقبل، تعقد اللجنة المشتركة اجتماعها، بضيافة بطريرك القدس”. وتدارك: “انها مسيرة طويلة يجب ان نلتزمها جميعا من دون رياء”.
(1)”تاريخ الكنائس الشرقية”-المطران ميشيل يتيم والارشمندريت اغناطيوس ديك- المكتبة البولسية.
(2)”الحوار اللاهوتي الرسمي الكاثوليكي-الارثوذكسي”- الارشمندريت اغناطيوس ديك.
هالة حمصي / النهار