عانت الجمَيليّة التهجيرَ أيام الحرب الأهلية، ولا يتخطّى عدد سكّانها الألف نسمة، وهم ينتمون في غالبيّتهم إلى المذهب الكاثوليكي، إضافةً إلى بعض الموارنة والإنجيليين. بعد عودة الأهالي وانتهاء الحرب الأهلية، شهدَت الجمَيليّة بعض البيوعات، حيث اشترى مواطنون من بلدات وطوائف أخرى أراضيَ وسكنوا البلدة، ويعترف الأهالي بأنّهم كانوا مِن خيرة الناس ولم يفتعلوا أيّ مشاكل ولم يكن لهم أهداف توسّعية، بل تعاملنا معهم على أساس حُسن الجيرة.
لكنّ المشكلة بدأت عندما دخل أحد الفلسطينيين الذي يَحمل جنسيّة أجنبية ويتنقّل بين دوَل الخليج والدانمارك، إلى بلدتهم، وشرَع بعملية شراء ممنهَجة للأراضي عبر جنسيّته الثانية، لأنّ القانون اللبناني يمنع تملّك الفلسطيني في لبنان، فاستغلّ حاجة السكّان المسيحيين إلى المال، خصوصاً أنّ الإنماء غائب عن البلدة من جهة، فيما يفتقد المسيحيّون مرجعيّاتهم السياسيّة منذ العام 1990 من جهة ثانية، ما ساهمَ في إضعافهم في جبل لبنان الجنوبي عموماً، والشوف خصوصاً.
يَروي أحد سكّان الجمَيليّة لـ«الجمهورية» الأسلوبَ الذي يستخدمه التاجر الفلسطيني لشراء أكبر عدد ممكن من مساحات الأرض، ويقول: «يُدعى م. ش، ويتعاون مع بعض السماسرة في البلدة الذين يعملون بهدف الربح المادي، ضاربين بعرض الحائط أهمّية الوجود المسيحي في الشوف، والحفاظ على التنوّع في القضاء».
ويوضح: «يأتي إلى الأهالي ويسألهم كم يريدن من مال ثمن قطعة الأرض، فبدأ يشتري القطعة تلوَ الأخرى، وكلّها تقع في مناطق استراتيجية، ومنذ نحو سنة حاولَ شراء قطعة تزيد مساحتها عن 50 ألف متر، ودفعَ مبلغ 6 مليون دولار، لكنّ خلافاً ما حصلَ مع مالكي العقار وأفشِلت الصفقة، كذلك يحاول منذ مدّة قصيرة ضمَّ عدد من العقارات إلى أراضٍ سبق واشتراها تحت حجّة أنّها قريبة من أملاكه، وبالتالي يطمع بشراء كلّ البلدة.
وهنا بدأنا نتساءل عن مصلحته في شراء أراضٍ في بلدتنا البعيدة عن العاصمة والتي تفتقد أبسطَ مقوّمات الحياة، وبأيّ جنسية يشتري كلّ هذه الأرض، وبالتالي مَن يقف وراءَه؟».
ويشير إلى أنّ «نشاط الفلسطيني لم يقتصر على شراء الأراضي بالمفَرَّق، بل عرَض على الأهالي شراء جبل الكسّارات بالمبلغ الذي يطلبه أصحابه، وهو يعتمد استراتيجية التغَلغُل بين الأهالي والسمسرة، متخَفّياً تحت عنوان مساعدة أبناء البلدة، إلّا أنّ حجمَ الأموال التي يصرفها واستعداده لدفع أيّ مبلغ يطلبه الأهالي، أمرٌ يثير الشبهات أكثر».
ويكشف أنّه «اشترى 30 في المئة من المواقع المهمّة في البلدة، ولا نعرف إلى أيّ جهة سيبيعها لاحقاً، وسط شعور الأهالي بخطر يهدّد وجودَهم، وكأنّه تمهيد لتهجير ثانٍ، لكن هذه المرّة عبر الترغيب وليس الترهيب».
هذا «الخطر» دفعَ الأهالي إلى التحرّك سريعاً، فوصلت القضية إلى راعي أبرشية صيدا ودير القمر الكاثوليكية المطران الياس حداد الذي طلبَ التحقّق فوراً من القضية ووقفِ البيوعات. وفي السياق، يدعو كاهن البلدة الأب فادي جبّور عبر «الجمهورية» المسيحيّين إلى «التمسّك بأرضهم وعدم البيع»، لافتاً إلى أنّ «المطرانية تتحرّك لمنع هذه الظاهرة، وتحاول شراءَ كلّ قطعة أرض يعرضها المسيحي للبيع».
ويشدّد على أنّ «المطران حداد يطلب من أهالي البلدة القاطنين في بيروت العودة وليس فقط وقفَ البَيع، لأنّ هَمَّه الحفاظ على الوجود المسيحي في الشوف وصيدا وكلّ منطقة من لبنان».
يُردّد معظم أهالي الجمَيليّة مقولة «إنّنا لا نريد أن نفعلَ بأيدينا ما تفعله «داعش» بالمسيحيين في العراق وسوريا، لكنّهم يطلبون من كلّ البطريركيات، وعلى رأسها بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك، والبطريركية المارونية، والمجلس الأعلى لطائفة الروم الكاثوليك، والرابطة المارونية التحرّك فوراً لمنع هذه الظاهرة التي تخترق بلدتهم، والعمل في المقابل على تنمية البلدة حتّى يثبت المسيحي الشوفي في أرضه، ويدعون أيضاً النواب المسيحيين، على رأسِهم نوّاب الأحزاب المسيحية، إلى التدخّل للحفاظ على الوجود المسيحي في المنطقة.