لم يكن الأديب أمين الريحاني ليكتب في كتابه “قلب لبنان”، عن “أوتيل صوفر الكبير” في فقرة بعنوان “القصر المنيف”، مقدماً وصفاً دقيقاً للفندق ولحياة البذخ فيه، لو لم يُطرد منه ولم يسمح له بالدخول لأن ثيابه لم تكن رسمية ولائقة. وصف الريحاني، جاء دقيقاً لما كان لهذا المعلم السياحي من أهمية استثنائية، جمالياً ومعنوياً، في ذلك الحين.
يجثم “أوتيل وكازينو صوفر الكبير” بمهابة على الطريق الدولية في صوفر، رغم ما أصابه من خراب نتيجة الحرب والإهمال يتهدده بالانهيار في أي لحظة، وما قد يطاوله، في حال حصلت صفقة بيعه، كما يجري التداول في أوساط المستثمرين الكبار، وتحويل طابعه التراثي السياحي المرتبط بحقبة معينة من تاريخ لبنان عن الصورة الحقيقية.
وأبعد من ذلك، يستغرب الناظر اليه كيف أن اهتمام وزارة السياحة ومديرية الآثار، لم يرقَ إلى مستوى الحفاظ عليه معلماً سياحياً فندقياً وتراثياً. فهذا المرفق الخاص الذي تعود ملكيته لآل سرسق وتحديداً لـ”الليدي” إيفون سرسق كوكرن، بعدما آل إليها إرثاً ومنها الى الورثة الآخرين من أبنائها والفروع، أضحى “ملكية عامة” لأنه يمثل جزءاً حميماً من ذاكرة صوفر والمنطقة. فالبناء الماثل حتى الآن، والذي شيّد في نهـاية القرن الثامن عشر، ما عاد أحد يتقن فنّه، فضلاً عن أن الأسقف الصامدة بعد والتي تجمع بين الحديد والخشب وحجارة القرميد والـ “طوب” الحمراء، انتهت منذ أمد بعيد كتقنيات، بعد أن طغى عليها عصر الإسمنت.
يكاد الفندق أن يكون شاهداً على أهم المحطات التاريخية محلياً، عربياً ودولياً، وأهمها أن هذا الفندق، الصامد بواجهته الخارجية الرائعة، فناً وتراثاً ومنمنات وعظمة بناء، تقارب ما هو قائم في العواصـم الأوروبية العريقة، وشبه المهدمة من الجهة الخلفية، شهد حدثاً عربياً مهماً، تمثّل في الاجتماع العربي الذي انبثقت منه “اللجنة العربية العسكرية المشتركة” عام 1944، والتي شكلت النواة أو المقدمة الموضوعية لقيام جامعة الدول العربية في العام التالي، فضلاً عن استضافته لقاءات للملوك والرؤساء العرب.
ورغم ما يمثل من أهمية على المستوى الوطني العام، فإن أحداً لم يتحرك في حقبات سابقة لإنقاذه. حتى أن معلومات سرت سابقاً عن إحتمال هدمه، إلاّ أن أحد الورثة رودريك نجل الليدي كوكرين، سارع منذ مدة الى البدء ولو ببطء بترميم الطابق السفلي، على أمل أن “يستقبل المناسبات من أفراح وإستقبالات”، ويكون بذلك قد رفع خطر إزالة هذا المعلم السياحي التاريخي عن الخريطة.
ويؤكد رئيس المجلس البلدي في صوفر كمال شيا لـ “النهار” أن البلدية “وضعت إمكاناتها بتصرف هذا المعلم التاريخي، وهي ستكون مساعدة أساسية في تقديم ما يلزم الى هذا الصرح”.
ورأى أن “هذا المشروع يؤكد الطابع السياحي المهم لصوفر، الأمر الذي يدفعنا الى مناشدة الجهات المسؤولة في الدولة، من أجل المساعدة أيضاً في ترميم فندق صوفر الكبير، وغيره عشرات الفنادق والأبنية الأثرية المهمة في البلدة”.
أول كازينو في لبنان
لـ”فندق صوفر الكبير”، رخصة كازينو تحمل الرقم واحـد، فقد شهد قيام أول كازينو في لبنان خلال حقبة الحكم العثمـاني، ونتيجة لوجود الكازينو فرض المتصرف مظفر باشا على بلدية صوفر، إقامة حديقة عامة ومسرح صيفي ومخفر يتسع لستين دركياً.
وبحسب المصادر التوثيقية، فإن تسمية “أوتيل صوفر الكبير”، هي تسمية لسلسلة فنادق حول العالم من مصر إلى اليابان، اشتهرت أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
رمزي مشرّفيّة
النهار