ما مصير العقائد المضادّة لالوهيّة المسيح ؛ أفليست هي ضدّ المسيح ، إذن هي ضدّ الابن .. من هو ضدّ الابن هو ضدّ الاب أيضا . كيف يتمّ الخلاص بالخطيئة الاصليّة التي لا تمحى إلاّ بسرّ العماد؟
سؤال طرحه أحد الأخوة الأحباء …
في البداية ، هذا السؤال يدخل في موضوع علم لاهوت الأديان وقضيّة ” خلاص غير المسيحيّين – المعمّذين ” . الموضوع معقّد جدّا ، ولا يمكننا أن نحلّ القضيّة بجواب سهل وبسيط ومحدّد . فالسؤال أكبر من الجواب بكثير . لكننا لا نقدر أيضا أن نعطي جوابـــًا طويلا إلاّ مقتضبًــا .
سأنطلق من المجمع الفاتيكانيّ الثاني ، وما هي ردود فعل المسيحيّين في خلاص غير المسيحيّين . ونورد ثلاث مواقف مختلفة في الكنيسة المعاصرة إزاء قضيّة خلاص غير المسيحيّين :
1 – هناك فئة تدينُ مَن هم خارج الكنيسة ولا يعتمدون ولا يؤمنون بيسوع المسيح ، فتجعلهم يستوجبون النار .
هذا الموقف مُخطىءٌ كلّ الخطأ ، وهو مناف ٍ تمامًا ” لقصد الله الخلاصيّ ” الشامل البشر أجمعهم ، ولمعاملة يسوع مع الخطأة وبحثه عنهم ، ولدور الشرائع غير المسيحيّة في مقاربتها للإله الحقيقيّ – وإن كانت مقاربتها غير كاملة – ، ولقيمة ضمائر غير المسيحيّين وأعمال المحبّة والرحمة . ثمّ إنّ روح الإدانة هذه لمنافية تماما للمحبّة الأخوية . فمِن الأسلم ترك الدينونة لرحمة الله المحبة والمـــُخلّصة ، خاصة وقول يسوع صريح : ” لا تدينوا لئلّا تُدانوا ، فكما تدينون تُدانون ” متى 7 : 1 – 5 .
هؤلاء الذين يدينون سيُفاجأون يوم الدينونة عندما يرون ابن الإنسان يدين البشر ، لا بحسب انتمائهم الدينيّ ، بل بحسب أعمال المحبّة أساسًا ، خاصّة وقد كتب أوغسطينوس لهؤلاء قوله المشهور : ” كثيرون هُم من الملكوت وليسوا من الكنيسة ، وكثيرون هم من الكنيسة وليسوا من الملكوت ” .
2 – ثمّة فئة ” تتساهل ” في الإيمان والمعموديّة والإنتماء إلى الكنيسة ، فلا تجد لها ضرورة بما أنّ الجميع سيخلصون . إن هذا الموقف أيضا لمـــُخطئ كلّ الخطأ ، لأنه نابع من روح نفعيّة لا تؤمن إلاّ بما هو نفعيّ ومفيد ، وملموس ومحسوس ؛ من روح مسيحيّة فاترة فقدت معنى الرسالة ولا سيّما ضرورة إعلان البشرى والشهادة ليسوع المسيح أمام الجميع . إنّ الإيمان بيسوع المسيح والإعتماد امتيازٌ وحقّ ، وإن الإعتماد في الروح امتياز لسُكناه في القلب ، وإن الإعتماد باسم الآب امتياز للبنوّة الإلهيّة . وإنّ هذا الإمتياز هو في الوقت نفسه مسؤوليّة رهيبة لتوصيل الخلاص إلى ” غير المعمّدين ” . ولقد عبّر يسوع مرارًا عن ذلك الإمتياز عندما صرّح أن الحياة المسيحيّة ” كنز ” (متى 7 : 6 ) و “لؤلؤة” (متى 13 : 45 – 46 ) . فليست المسيحيّة واجبًا وتوصيات يجب تحقيقها لنيل تأشيرة الدخول في الحياة الأبديّة ، بل هي نعمة استباق الملكوت على وجه الأرض ، ورسالة حيّة دافعة نحو الآخرين .
3 – يتميّز الموقف الذي نعتبره السليم ، بأنه يتحاشى الموقفين المتطرّفين السابقين ، آخذا بمحمل الجدّ ، قصد الله في خلاص جميع البشر ، وفي الآن نفسه ضرورة َ الإيمان بيسوع المسيح والمعموديّة والإنتماء إلى الكنيسة (وهذا إمتياز ورسالة) ، تاركا لرحمة الله مصير غير المؤمنين ، وفي الوقت نفسه ساعيًا إلى إعلان البشرى لجميع البشر وإلى الشهادة ليسوع المسيح أمام الجميع ، معتبرًا الكنيسة عربونا للخلاص وباكورة للمخلّصين ؛ وفي الوقت عينه متقبّلة من الله الإشتراك معه في خلاص جميع البشر ، مُعتبرة ً أنّ ملء قامة المسيح يتحقّق في الكنيسة من أجل الخليقة جمعاء ، وأنّ الأزمنة الأخيرة تتمّ في داخل الكنيسة من أجل البشريّة جمعاء ، وأنّ الآب آب للبشر أجمعين ، وإنّما الكنيسة ” آية ” تحقيق ذلك كلّه .
هنا يُطرح سؤالا آخرًا : كيف التوفيق بين فرادة شموليّة الخلاص بيسوع المسيح وحده ، وبين الإنفتاح على الأديان لاسيّما على ما هو حقّ ومقدّس فيها ؟!
آباء الكنيسة أجابوا على هذا التساؤل في ما يتعلّق بالأديان قبل التجسّد الإلهيّ ، عندما اعترض مناهضو المسيحيّة أنها تمثّل دينا حديثا ، فأكّد الآباء ، مثل يوستينوس المدافع في منتصف القرن الثاني : إنّ الله – الكلمة ، وهو الأزليّ ، كان مبعثرًا في العالم قبل تجسّده : إن البشر ، قبل التجسّد الإلهيّ ، قد اشتركوا في معرفة سرّ الله ، وإن كانت معرفتهم هذه جزئيّة ناقصة … فإنّ الاديان ، قبل التجسّد ، تُعتبر ” بذور الكلمة أو آثاره ” ، وكذلك ” شرارات اللوغوس ” ، بمعنى أنّ الله كان قد أعلن ذاته للبشر بطرق مختلفة ، عن طريق روحه القدّوس ، ممهّدا هكذا الطريق لتجسّد ابنه ، ما أدى ببعضهم إلى أن يستشعروا شيئا من سرّ الله ، وأن يشتركوا في حياته ، وإن جزئيّا .
هذه نظرة ” كرستيولوجيّة إيجابيّة ” إلى أصحاب مختلف الأديان ، وإستنادًا إلى هذه النظرة ، أقرّ المجمع الفاتيكانيّ الثاني ما هو حقّ ومقدّس في ديانتهم ، قبل التجسد وفي خارج الكنيسة ، والله نفسه ألهمهم ذلك .
ومع ذلك ، تصرّح الكنيسة ، والمجمع الفاتيكانيّ الثاني ، بإنّ فرادة وساطة الفادي لا تمنع ، بل تدفع إلى تعاون المخلوقين تعاونا متنوّعا مرتبطــًا بالمنبع الوحيد (نور الأمم ، 62).
زينيت