أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين وذلك في قاعة بولس السادس في الفاتيكان. وبدأ الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي مشيرا إلى ان الزمن الليتورجي يدعونا إلى التأمل في سر الميلاد، وتابع أنه يريد، ونظرا إلى مرور اليوم الذكرى المائوية الرابعة لوفاة القديس فرنسيس دي سال، الانطلاق من بعض أفكار هذا القديس. ونوه البابا هنا إلى إصداره اليوم في ذكرى وفاة القديس دي سال رسالة رسولية بعنوان “كل شيء يعود إلى الحب”، وهو تعبير ميز هذا القديس واستخدمه في كتاباته قائلا إن كل شيء في الكنيسة المقدسة يعود إلى الحب، يعيش في الحب، يتم عمله انطلاق من الحب، ويأتي من الحب.
وواصل البابا فرنسيس متأملا في سر ميلاد يسوع بمرافقة القديس فرنسيس دي سال حسب ما قال قداسته. وتابع أن القديس دي سال كتب في إحدى رسائله إنه يفضِّل أن يرى الطفل الصغير في المذود مائة مرة أكثر من الملوك وعروشهم. وقال البابا فرنسيس إن يسوع ملك الكون لم يجلس أبدا على عرش، فقد وُلد في مذود ومات على صليب ودُفن. وأشار قداسته هنا إلى تشديد القديس لوقا الإنجيلي في سرده ميلاد يسوع على المذود، ما يعني أهميته لا فقط كتفصيل لوجستي بل كعنصر رمزي لفهم أي مسيح هذا الذي وُلد في بيت لحم، أي باختصار مَن هو يسوع. وتابع الأب الأقدس مذكرا بكلمات بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي أن يسوع هو ابن الله الذي يخلصنا بأن ظهر في هيئة إنسان ووضع نفسه. وقال البابا إننا نرى هذا السر بشكل محدد في المذود، في ذلك الطفل المضجع في مذود، هذه هي العلامة التي يقدمها لنا الله في الميلاد، هكذا كانت بالنسبة لرعاة بيت لحم وهكذا هي اليوم وهكذا ستكون دائما.
واصل قداسة البابا أن هذه العلامة تكشف لنا أسلوب الله، أي القرب والشفقة والحنان، وبهذا الأسلوب يجذبنا الله إليه، لا يكسبنا بالقوة ولا يفرض علينا حقيقته وعدالته، إنه يريد جذبنا بالمحبة والحنان. وعاد الأب الأقدس هنا إلى إحدى رسائل القديس فرنسيس دي سال والتي كتب فيها أن المغناطيس يجذب الحديد، والكهرمان يجذب القش، وإن كنا حديدا بسبب قسوتنا أو قشا بفضل ضعفنا فعلينا أن نجعل هذا الطفل السماوي الصغير يجذبنا. وواصل البابا فرنسيس أننا أحيانا نكون قاسين ومتحجرين وباردين كالحديد، وأحيانا أخرى كما القش ضعفاء وغير متماسكين، وقد وجد الله الوسيلة لجذبنا إليه في كل حال، بالحب. وشدد الأب الأقدس على أن هذا الحب ليس تملكيا أو أنانيا مثلما يكون كثيرا الحب البشري مع الأسف، حب الله هو عطية نقية، نعمة صافية، لنا، من أجل خيرنا، وهكذا يجذبنا الله إليه، بهذا الحب الأعزل. وأضاف البابا أننا حين نرى بساطة يسوع هذه فإننا نلقي جانبا بأسلحة التعالي ونتوجه إليه بتواضع طالبين الخلاص والمغفرة والنور لحياتنا للتمكن من السير قدما. وشدد قداسته على ضرورة عدم نسيان عرش الله الذي هو المذود والصليب.
أراد البابا فرنسيس التوقف بعد ذلك عند جانب آخر يبرزه المذود، ألا وهو الفقر بمعنى التخلي عن البهرجة الدنيوية. وعاد قداسته مجددا إلى كلمات القديس دي سال “ربي، كم من المشاعر المقدسة يُنمي في قلوبنا هذا الميلاد! إلا أنه يعلِّمنا في المقام الأول التخلي التام عن كل الخيور وكل فخامة هذا العالم”. وقال القديس دي سال في هذا السياق إنه لا يجد أي سر آخر يختلط فيه برقة الحنان والتقشف، الحب والشدة، اللطف والخشونة. وأراد البابا فرنسيس هنا التحذير من خطر الانزلاق إلى ما وصفه بالكاريكاتير الدنيوي للميلاد الذي يجعل الميلاد عيدا استهلاكيا. وواصل قداسته إن الميلاد لا يعني البحث عن المتعة والراحة، وأضاف أن كبار السن الذين عاشوا الحرب والجوع يَعلمون جيدا أن الميلاد فرح واحتفال لكن في البساطة والتقشف.
ثم ختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بإحدى أفكار القديس فرنسيس دي سال والتي تحدث عنها قداسته في الرسالة الرسولية الجديدة. فقد أملى القديس الراهبات في ٢٦ كانون الأول ديسمبر ١٦٢٢ أي قبل وفاته بيومين كلمات أشار فيها إلى أن الطفل يسوع في المذود تحمَّل البرد وكل ما سمح الآب بأن يحدث له، ولم يرفض ما تقدم له أمه من تعزيات بسيطة، وتابع أنه لم يُكتب أن يسوع مد يده طالبا حنان أمه بل ترك كل شيء لفطنتها. وهكذا، قال القديس، ليس علينا أن نتمنى أو أن نرفض أي شيء، بل أن نتحمل كل ما يرسله إلينا الله، البرد وإهانات زمننا. وشدد البابا فرنسيس مختتما تعليمه على هذا التعليم العظيم الذي يقدمه لنا الطفل يسوع من خلال حكمة القديس فرنسيس دي سال، أن نتقبل ما يرسله إلينا الله انطلاقا من محبته لنا ولخيرنا.
هذا وعقب انتهائه من تعليمه الأسبوعي وخلال تحيته المؤمنين والحجاج دعا البابا فرنسيس الجميع إلى الصلاة من أجل البابا الفخري بندكتس السادس عشر الذي يدعم الكنيسة في صمت. وأشار إلى أن البابا الفخري مريض ودعا إلى التضرع كي يعزيه الرب ويعضده في شهادة المحبة للكنيسة هذه التي يقدمها. وواصل الأب الأقدس أنه يتوجه يفكره إلى الشباب والمرضى والمسنين والمتزوجين حديثا، كما وتضرع إلى الله طالبا عطية السلام المنشود لأوكرانيا المتألمة بسبب شراسة الحرب.